Powered By Blogger

قصة "الخلود" - من حكايات "أصداء السيرة الذاتية" - نجيب محفوظ



قصة "الخلود" - من حكايات "أصداء السيرة الذاتية" - نجيب محفوظ


"قال الشيخ عبد ربه التايه:وقفت أمام المقام الشريف أسأل الله الصحة وطول العمر. دنا منى متسول عجوز مهلهل الثوب وسألني: هل تتمنى طول العمر حقا" فقلت في إيجاز من لا يود الحديث معه:من ذا الذي لا يتمنى ذلك؟
فقدم لي حقا صغيرًا مغلقا وقال:إليك طعم الخلود لن يكابد الموت من يذوقه.فابتسمت باستهانة فقال:لقد تناولته منذ آلاف السنين ومازلت أنوء بحمل أعباء الحياة جيلا بعد جيل.فغمغمت هازئا.يا لك من رجل سعيد.فقال بوجوم:هذا قول من لم يعان كر العصور وتعاقب الأحوال ونمو المعارف ورحيل الأحبة ودفن الأحفاد.فتساءلت مجاريا خياله الغريب
ترى من تكون في رجال الدهر؟
فأجاب بأسى:
-
كنت سيد الوجود ألم تر تمثالي العظيم؟ ومع كل شروق أبكي أيامي الضائعة وبلداني الذاهبة وآلهتى الغائبة."          ----------------------------------------------------
"أصداء السيرة الذاتية" - دار الشروق - ص 80

____________________________________
·        قراءة نموذج "أصداء السيرة الذاتية "نجيب محفوظ".. بقلم السيد نجم
لعله من المناسب التوقف قليلا أمام "أصداء السيرة الذاتية"...هل عمد "محفوظ" إلى إسقاط نظرية "فيليب لوجون" التي تقول بأن مرجعية الأنا في السيرة الذاتية معصومة من الوقوع في دائرة التخييل متى تحقق التطابق بين الهويات الثلاثة: هوية المؤلف والراوي والشخصية؟
ربما عمدًا خلط "محفوظ" بين المرجعي والمتخيل, وتنصل من مسئولية السير ذاتية التي يلزمها قدر غير قليل من الجرأة والصراحة والوضوح.. ربما إلى حد التعري! يتذكر المتابع لأحاديث الكاتب الصحفية, مقولته في صحيفة "أخبار الأدب" أن سبب الإقبال على جنس "السيرة الذاتية "أن أصبح الأدب معقدًا غير مفهوم للقارئبينما السيرة كلام واضح عن حياة الناس"
فيما يقول "محفوظ" مرارًا أن شخصية "كمال" في "زقاق المدق" هي شخصيته وأرائه, وأن ما كتبه من روايات حول بعض الأماكن والشخصيات, هي في الحقيقة جزء من سيرته, ورجمًا لحيرة وقلق يثقلان الكاتب من خلال علاقته بتلك الأماكن والشخصيات, فتبدو تلك الروايات بما تتضمنها من شخصيات هي "سيرة ذاتية" بمعنى ما.
أما وقد هم الكاتب لكتابة "السيرة", الطريف أن بدت أكثر غموضًا, ولم يفصل بين الذاتي والمرجعي والتخيلي والوهمي.. بدا وكأنه عمدا لا يريد أن يكون هكذا صريحًا وواضحًاوكأنه بدا جريئا في قوله أثناء الكتابة الروائية أكثر منها وهو يكتب السيرة.. خصوصا أنه يعلم أن قارئ السيرة لا يضع إحتمالات الصدق أو الكذب فيما يستنتجه أو يقرأه.
لقد أبدع الكاتب شخصية "عبد ربه التائه" لتلعب دور الرابط والراوي في العمل/الأعمال. كان أول ظهور الحكاية رقم5: ولد تايه يا أولاد الحلال ..ولما سئل عن أوصاف الولد المفقود قال:"فقدته منذ أكثر من سبعين عاما فغابت عنى جميع أوصافه"تبدو الحكاية (الخلود) وكأنها حلم يكابد التلاشى, وتحمل فى مضامنها مفاهيم "الخلود", "نمو المعارف", "أعباء الحياء".. فى مقابل "دفن الأحفاد". انها المكابدة بين طريقين يعيشهما اﻹنسان على الأرض, معهما وبهما يكون الصراع والمقاومة.وإذا أضفنا بعض المقولات المبعثرة هنا وهناك..أمثال أقواله:
"
لقد فتح باب اللانهاية عندما قال "أفلا تعقلون" من رقم 10
"
إن مسك الشك فأنظر في المرآة نفسك مليا" من رقم 12 
"
جوهران موكلان بالباب الذهبي يقولان للطارق تقدم فلا مفر هما الحب والموت" رقم 15
"
عندما بلم الموت بالآخر يذكرنا بأننا مازلنا نمرح في نعمة الحياة" رقم 16
.. ثم إذا ما تأملنا عناوين الحكايات بالأرقام: دعاء – رثاء – دين قديم – السعادة – الطرب – التلقين – الأشباح – المرح – التحدي – المطر – التوبة – التسبيح – ليلة القدر – الحياة..
ففي الفقرات أو الجمل.. قدر واضح من التأمل, الوعي بالمخاطب وثقافته, النزعة الصوفية والتي غالبة على كل النزعات فكرا وسردا, الألف ولام التعريف التي تعنى التحديد والقصيدة لعناوين أغلب بل معظم العناوين, وغيرها من الملامح والشواهد, والتي نرى معها أن "نجيب محفوظ" كان مدركا لعنوانه "أصداء" السيرة الذاتية.. فلم يكتب "السيرة الذاتية", وهو المدرك تمامًا لخصائصها, ولكنه لم يشأ أن يكتبها بل يكتب بحول الخبرة العمرية وأصداء التجارب التي عاشها. فلم يكن "التخييلالتي قالت به الناقدة "جليلة طريطر" محاولة واعية من الكاتب للتجاوز, بقدر أن منهجية الكاتب أصلا لم تكن "كتابة السيرة الذاتية"! وما حكاية "الخلودإلا نموذجا مختارا لتأكيد ذلك, بل واختيار تلك الشخصية الدرامية الرامزة "عبد ربه التايه" كرابط درامي وإطار تتحرك حوله وبه الأفكار التي تبناها الكاتب للتعبير عنها من وحى حكمة الأيام وخبرة السنين.. والتى تحمل فى ثناياها حكمة الأيام وخبرة السنيين التى ترى وتفعل للمقاومة وان علت روح الايقاع الصوفى, أليست الصوفية فى مرحلة ما وبفهم ما, هى طريق ما للمقاومة الفردية وشكل من أشكال "المقاومة السلبية" (فكم من المجموعات الصوفية ترفض العزلة وتدعو للعمل بين الناس)إذا كان الأمر كذلك فتعد قصص اصداء السيرة ل "نجيب محفوظ" كاشفة عن البعد المقاوم فى الأدب, وفاعلة من أجل تقوية الذات الجمعية بكشف الخفى والمسكوت عنه, وبالتالى رصد الأحداث وابراز أكثرها تأثيرا على الناس, هى دعوة للانتياه, والانتماء, والحرية, والخلاص.. أليس من أدوار الأدب أنه ذاكرة للأمم والشعوب.
******


قصة "الخلود" - من حكايات "أصداء السيرة الذاتية" - نجيب محفوظ قصة "الخلود" - من حكايات "أصداء السيرة الذاتية" - نجيب محفوظ تمت مراجعته من قبل مصطفى يونس في يوليو 29, 2018 تقييم: 5

هناك تعليق واحد:

  1. تحليل الأستاذ االقدير السيد نجم للأصداء يضعنا أمام نهج محفوظي مختلف في كتابة السير الذاتية، فنجيب محفوظ أسقط الواقعية بكل حمولاتها في نصوصه، وخالف المتعارف عليه في كتابة هذا الجنس الأدبي "السيرة الذاتية" بكل جرأته الصادمة وواقعيته الوعرة المنطوية على تعرية الذات في لحظة مكاشفة.
    تظل أصداء السيرة الذاتية تفتح آفاقا جديدا مع كل قراءة، وتشعل طاقة التأويل، وهي مع كل ذلك نصوص عابرة للنوعية عصية على التصنيف، تقف على أعراف الأنواع وحدودها.

    ردحذف