Powered By Blogger

قصة "البكاء" - يحيى الطاهر عبد الله


البــكـــــــــــاء
قصة: يحيى الطاهر عبد الله

قطع رجل - ذات يوم - بقضيب من حديد ذيل حية, فهربت الحية من بيته - واحتمت ببيت أرملة عجوز.
قالت الأرملة العجوز - وكانت حكيمة - لنفسها:
" حياتي في دجاجاتي.. فأنا أقايض صاحب الدكان - يأخذ البيض ويعطيني كيس الشاي وقرطاس السكر وعلبة الكبريت.. كذا الزبال يأخذ زبل دجاجي ويعطيني الإبرة وشلة الخيط وحفنة الملح وحبات الفلفل.. والحية رفيقة قبر, وهي في الدنيا رسول موت بخاخة سم بنات قاتل.. الحية تحب البيضة مطبوخة بالبصل.. سأطبخ للحية كل يوم بيضة بالبصل."

هذا ما فعلته العجوز من أجل الحية. وعلى هذا الحال مرت الأيام وفي يوم باضت الحية بيضها الأرقط أخفته كما تفعل كل حية أم.. ثم جاء يوم وطلعت ديدان تتلوى تحت أرجل الدجاج الآمن. وما هي إلا أيام - وإذا بالديدان حيات تسعى في أركان البيت الآمن. ويوم وجدت الأرملة العجوز دجاجة قتيلة - قعدت على تراب الأرض والدجاجة القتيلة في حجرها وظلت تبكي ضعفها وخيبة حكمتها، وهوان أرملة عجوز أجبرها الزمان على مواجهة صغار حية مقطوعة الذيل.

أما الحية التي قطع رجل ذات يوم ذيلها بقضيب من حديد - فقد لمت صغارها وشمّتهم الواحد بعد الواحد وكانت قد شمّت الدجاجة المقتولة, ولما تمكنت من فاعل الفعلة أطبقت على عنقه بأسنانها ومنعت عنه الهواء, ولم تتركه إلا جثة بغير روح, ثم فارقت الحية الوفية المكان يتبعها صغارها إلى عراء رحب لا أمان فيه. بينما الأرملة العجوز - في جحرها الضيق - مع دجاجاتها وقتيلين تبكي ولا تعرف متى تتوقف عن البكاء.

هكذا تم الفراق.
البكاء: قصة يحي الطاهر عبد الله، مجموعة قصص (الرقصة المباحة) - سلسلة الكتابات الكاملة - الطبعة الثانية 1994 (دار المستقبل العربي)
الرقصة المباحة (مجموعة قصصية ، كان يحيى قد أعدها للنشر فى مجموعة، ونشرت بعد وفاته، ضمن الأعمال الكاملة التي نشرتها دار المستقبل عام 1983م



قراءة: أحمد سعودي
****************
قراءة غير نقدية لسلسلة التداعيات الحرة؛ وكلمة (حرة) هنا مجازية، فلا شيء حر في حياة مدفوعة أصلا بقوى غير حرة, تلك التداعيات التي أسلمت أرملة عجوز - أدركت في الأراذل برجماتية الحياة- من القرار: "الحية تحب البيضة مطبوخة بالبصل.. سأطبخ للحية كل يوم بيضة بالبصل" إلى القعود - بقتيلين في حجرها، تبكي ضعفها وخيبة حكمتها وهوانها أمام صغار حية مقطوعة الذيل.

متى يتوقف البكاء؟
كيف تم الفراق؟
أكم من الأحداث والشواهد والتحولات لا يمكن لاثنين أن يتفقا تمام الاتفاق في تأطيرها كإجابات وافية للسؤالين، فليس كل نبي رسول وليس ثمة نبيين للبكاء؛ إلا أن نبيا ما كان قد أدرك وزن الكلمة وكثافة الجملة، فأوتي سر السطوة الكامنة في الجمع بين "نقطة" و"تحول" والتراتبية المثلى لنقط التحول في حياتي أفعى مشردة مقطوعة الذيل وأرملة عجوز تدفع الحياة/تدفعها الحياة.

"الأفعى أنثى وإن كانت مقطوعة الذيل، وبداخل كل أنثى أم وإن كانت بلا أبناء، أما الترمل والعجز وإن كانا قابضين فلهما متنفس ولو كان بضع دجاجات" هذا ما أ‘سِرَّ للنبي ليكتفي بدوره بمعروفٍ وغريزةٍ ووفاء ليخبر عن الفراق - كيف تم، وعن البكاء - متى ابتدأ؛ أما "متى يتوقف البكاء؟" فسرّه محفوظ في قبر ينتظر انقضاء حياة لا شيء فيها حر.


قصة "البكاء" - يحيى الطاهر عبد الله قصة "البكاء" - يحيى الطاهر عبد الله تمت مراجعته من قبل مصطفى يونس في يوليو 29, 2018 تقييم: 5

هناك 5 تعليقات:

  1. لم توضح القصة أي لم تقدم مبررا لقطع الرجل ذيل الحية أي إنه أراد قتلها لكنها هربت منه فلم يتمكن إلا من ذيلها الحية كانت تعيش في بيت الرجل فهل كان يعلم الرجل بوجودها في بيته وحدث منها ما جعله يهم بقتلها أم إنه لم يكن يعلم ومن ثم لما شاهدها عرف إنها كائن سام قاتل رمز للموت فطاردها وهربت منه فلم يستطع إلا قطع ذيلها.. لكننا نعرف في القصة من خلال علاقة الحية بالأرملة العجوز أن الحية وفيه لمن تصاحبه ولا تخونه ومن قتل الدجاجة هو واحد من نسلها ولما عرفت بالقتل بحثت عن الفاعل واقتصت منه وقتلته ثم غادرت حجرة الارملة العجوز بنسلها الخطر غير الوفي لتقي اللارملة العجوز مزيدا من الشر.. يبدو أن الارملة العجوز ساذجة إلي حد كامل فهي اعتقدت أن اتفاقها مع الحية الام سيكون ساريا علي ابنائها ولما اكتشفت خطئهالم تعتبره معرفة جديدة تعلمتها ومن ثم يمكنها أن تبني عليها لكنها انخرطت في البكاء علي دجاجاتها.. نحن إذن لسنا أمام رسالة واضحة يريد النص قولها لنا أو إن الرسالة بالنسبة لنا غامضة غير مفهومة ذلك أن الرسالة ربما كانت تعتمد علي تأويل سابق لنا غادرناه الان وابتعدنا عنه فصار فهمنا العقلاني الجديدالاني لا يستطيع فهم رسالة القصة التي تتكأ علي الاسطورة في بناء رموزها وعالمها فهل كان الرجل محقا في محاولته قتل الحية لعلمه إنها لو كانت وفيه فنسلها لن يكون مثلها ومن ثم سيكمن فيها الخطر دائما فهل يعني هذا أن الرجل أكثر علما من المرأة العجوز ومن ثم تكون للرجل الذكر العارف مركزية في النص والعالم لا بد لنا من اتباعه والاخذ بما يفعل وندين الارملة العجوز لأنها وحيدة وأرادت الصحبة حتي ولو مع حية وقدمت ما تستطيعه لتلك الصحبة لتنجح.. تبدو الرسالة أو المعني هنا بعيدا ومغرقا في اللافهم واللا معني بحيث يمكننا القول أن القصة تنتمي لزمن فات زمن كان يمكن لإناسه فهم المعني والمغزي من القصة أما نحن فلا أظن أننا يمكننا إيجاد تبرير لعالم القصة هذه.

    ردحذف
    الردود
    1. نعتز برايك يا صديقي، ونترك المداخلات مفتوحة للجميع، بغية المزيد من التفاعل

      حذف
    2. السؤال الذي أطرحه على هذا النص، ماهي السمات المميزة له؟ انه نص أقرب إلى أمثولة شعبية بسيطة، أو في أفضل الأحوال واحد من أمثولات كليلة ودمنة... غير مشغول بتقنيات سرد ولا أبعاد زمنية ولا تشكيلات مكانية، كل شيء بسيط ومباشر وواضح حتى في رموزه.. صحيح نحن إزاء خطاب حكائي شعبي، لكنه يتجاهل كل مكونات الخطاب السردي وعناصره.والآن لماذا نتعامل مع هذا النص بوصفه قصة قصيرة؟ وهل معنى هذا أن فن القصة القصيرة على درجة من المرونة عالية، حتى انه يتجاوز كل عناصر السرد الأدبي؟ مش عارف .. ولكنى اسأل نفسي

      حذف
    3. والآن ، ماذا لو كتبت أنا قصة على هذا النحو، وتقدمت بها في إحدى المسابقات، هل ستعامل بوصفها سردا قصصيا أم ستبعد تماما من حسابات لجان التحكيم؟ فقط اسأل نفسي أيضا

      حذف
  2. كاتب التعليق أعلاه: صبحي شحاتة

    ردحذف