Powered By Blogger

  سيارة قديمة
قصة: غبريال زكي غبريال

تنويــه هـــام

(شكر خاص للكاتبة المبدعة نورهان صلاح، على هذا الحفر العميق في ذاكرة القصة المصرية. فنتعرف من خلالها على أحد الموهوبين المسكوت عنهم في ذاكرتنا الأدبية الهرمة).


قصة سيارة قديمة

خجلتُ أن أبكي أمام أبني الصغير، هو يحكي لي كيف حدث ذلك .. أنا أتأمله .. يقص كعادة الأطفال .. ما أن يقترب من النهاية أجده يتذكر جزئية صغيرة فيعود إلى البداية من جديد   .
فجأة .. تنبهتُ لوجودها في شارعنا الصغير .. أسير بالقرب منها يومياً .. سيارة موديل خاص قديم ،يقال - والعهدة على الرواة من الميكانيكيين وغيرهم - أنه لا توجد لها قطع غيار ، ويقال أيضا أن هذا الموديل بطل إنتاجه . هي سيارة صغيرة وقوية - والحديث مازال للرواة من ذوي الخبرة - .. وتنبه المصنع المنتج لها أن مثل هذا الموديل يُعمر كثيراً وبالتالي فأن مبيعاته سوف تقل تدريجيا ، وكان عليهم إنتاج سيارات أخرى أكثر وسامة ولا تُعمِّر كثيراً .. وهكذا توقف مثل هذا الموديل .
تنبهتُ في البداية لوجودها بشارعنا الصغير .. ثم حدثتُ زوجتي عنها .. تشاورتُ معها أن نشتريها .. يقيني أن صاحبها قد لفظها .. ربما لكثرة أعطالها .. ربما لا توجد لها قطع غيار .. .. أياً ما كانت الأسباب إلا أنني شعرتُ بأنها سيارة صغيرة مظلومة .. .. هي أفادتْ كثيراً ، ألا تستحق الإصلاح ؟ أو محاولات التجديد ؟ خاصة أن هناك موديلات أخرى قديمة مازالت تسير في الشوارع بل وتعطل حركة المرور بتوقفها المفاجئ .
وطالت مدة تواجدها .. .. تشاورتُ ثانيةً مع زوجتي كي نشتريها وننفق عليها القليل ونستعملها في المسافات القصيرة .. خافت زوجتي - والتي تتعامل معنا كأنها وزيرة الاقتصاد - أن نفقد نقودنا ثم تظل السيارة واقفة
طالت مدة تواجدها في شارعنا وطال تفكيري فيها ، شيئاً ما يجذبني إليها .. وبمرور الأيام زاد ارتباطي بها .. بدأت تنمو بيني وبينها علاقة غامضة لا أملك وصفاً لهذه العلاقة غير الحزن وأتخيل أصاحبها القدامى .. صاحبها يقود ، زوجته بجواره ، الصغار في الخلف يمرحون ، السيارة تنطلق بهم هنا وهناك . أتأمل السيارة الصغيرة الساكنة بعد ما أضفته عليها من صور وهى تتحرك .. ينمو حزني أكثر . أنها في يومٍ ما كانت تسير وأنها كانت عزيزة على أصحابها . . تصوري هذا زاد من تعاطفي معها
وبدأ الأطفال في الشارع يستخدمونها في ألعابهم ، كأن يركبونها ويتخيلون أنها تسير ، وللمزيد من الوهم أو الاقتناع يصدرون بأفواههم أصواتا كأنها أصوات المحرك وهو يدوِر ويعمل ويدوي مع السرعات العالية .. في لعبة أخرى يستعملونها للاختفاء . عند هذا الحد كانت حالتي حزينة .. نعم لكن .. قلت لنفسي لا بأس مادام البعض - هم أطفال صغار أبرياء - يجدون المتعة معها وفيها .
تمضي الأيام ، في ذهابي لعملي كل صباح ألقي ببصري عليها .. ومع عودتي أيضا . . يبدو أن المشاهدة اليومية ولمدة صغيرة ومع التكرار اليومي خلقت علاقة وطيدة مع هذه السيارة .
لكن البعض بدأ يلقي بالقمامة بجوارها ، وعلى الفور تذكرتُ ما قرأته يوماً عن فكرة تراكم الزبالة ومؤداها أنه ما أن يلقي إنسان ما بورقة صغيرة في مكانٍ ما حتى يتراكم في هذا المكان كومة كبيره من الزبالة ، وخشيتُ أن يتحول المكان حولها إلى مقلب للزبالة . نبهتُ البواب التي تقع عمارته أمامها ، وحاول الرجل إزالة القمامة ومنع الآخرين من إلقاء الفضلات حول السيارة . لكن الأيادي بدأت تعبث بها .. الفوانيس الأمامية نُزعت منها .. الفوانيس الخلفية كُسرت .. مساحات الزجاج كُسرت وخُلعت .. الزجاج الأمامي الكبير تهشم وصار فُتتاً .. الزجاج الخلفي تحطم .. الجلد المبطن للكراسي تمزق .. الإسفنج مٓزّعُوه .. المرآة الداخلية خُلعت والجانبية أيضاً .. و .. و.. ..
مع كل صباح في طريقي إلى عملي ومعي زوجتي وابني نرقب ما تغير .. ما تحطم .. ما هشمته الأيادي ، وينتابني الحزن ، كان مروري اليومي هو إضافة حزينة إلى ما لدى من أحزان . أكثر من مرة حاولتُ أشتريها .. لكنها الآن ومع ما تحطم سوف تكلفني الكثير.. بل الكثير جداً . وأُضيف إلى ما لدى من أحزان الشعور بقسوة الآخرين حتى ولو كانوا صغاراً .. أبرياء
وفِي نوبة من النوبات التي تصيب زوجتي ويهيأ لها أنها من حكماء الزمان .. قالت يهيأ لي أن سبب تعاطفك مع هذه السيارة أنك أيضاً صرتٓ عجوزاً مثلها . لم أعلق على قولها خشية صداع حديث لن ينتهي إلا بأن استسلم لما تقوله كي أُنهيه - هذه هى المرة الأولى التي تشير بها زوجتي إلى هرمي - وكعادتي قلتُ لنفسي لابد أنها لاحظت علامات الهِرم .. وبدأتُ أستعرض حالتي البدنية ، تنبهتُ أنني أشكو من أسناني التي تنزف بشكل مستمر وحالت علاجها ، وطالت المدة ، وحدثتٰ الطبيب عن ذلك فأخبرني أني جئته متأخراً .. .. تبيتُ أيضاً أني ما عُدتُ بقادر على القيام من الفراش دفعة واحده ، بل لابد من أن أنقلب على جنبي أولا ثم التقوس ، ثم ألقي ببدني تجاه الأرض ، ثم أتماسك وكل ذلك كي أجلس .. ثم أتنهد قليلا وتبدأ محاولاتي للوقوف . قيل روماتويد وهو بخلاف الروماتيزم .. وقيل .. وقيل .. . ضقتُ بالأطباء وأقوالهم . تبيتُ أيضاً أنني ما عُدتُ بقادر على حمل أنبوبة البوتاجاز لتغيرها ، ولذلك أشتريتُ قاعدة بعجلات لنقلها من الشرفة إلى المطبخ
لكني قلتُ لنفسي كل هذا لا يهم زوجتي وعلىّ أن أتذكر ما الذي جعلها تنطق بالحكمة .. .. لابد أن هناك ما هو أكثر من هذا ، صحيح أنني غيرتُ نظارة القراءة بل ونظارة المسافات أيضاً .. لكني لا أتخيل أن هذا ما شغل زوجتي فمنذ زواجنا وهى تعرف عني ضعف إبصاري وكل ما أشكو منه ، وحديثي معها حديث متكرر مع زملائي في العمل أيضاً . الكل يشكو من أعراض أمراض مختلفة .. إن لم يكن الروماتويد فهو الروماتيزم .. إن لم يكن نزيف اللثة فهو جيوب اللثة .. . ويدور الحديث في المكتب ثم نتوصّل معا أنها أمراض المهنة ونؤكد لأنفسنا ضرورة الرياضة البدنية والتخطيط لنظام غذائي جديد . لكن ما نقوله لا يعني أن ننفذه .. قد نبدأ لكننا لا نكمل .
وشحذتُ ذهني لأعرف ما وراء كلمات زوجتي .. تذكرتُ .. في بداية زوجنا كان السرير يضج من حركتي المستمرة .. ثم ومع الأيام أخترنا .. .. أو للدقة أخذتُ أنا وضعاً يريحني ، أحتضنها ودون تحركات كثيرة ينتهي إلقاء بيننا وأستغرق في النوم على حالتي .. .. لكني أقسم على ذلك .. ليس لضعفٍ أصابني ولا كما يقولون العادة والرتابة .. .. لكنها الهموم الكثيرة التي أحملها .. كنتُ فيما مضى من الأيام أحكي لزوجتي مشاكلي .. وتقوم لتُعد لي كوباً من الشاي .. ونجلس في الشرفة بعد أن ينام الصغير وحيدنا - فأنا لا أفكر في طفل آخر بل يصيبني الفزع لمجرد تخيل قادم جديد فنحن بالكاد قللنا حجم الاستدانة الشهرية - مع أي أزمة مالية تجلس زوجتي .. تعدني بعمل جمعية مالية مع زملاء عملها .. وأشعر بأن الأزمة قد حُلت .. ونذهب إلى فراشنا وبريق من أمل ولمسة فرح .. ويكون قدر لا بأس به من الحركة . لكن الأمر تكرر .. وتبينا خواء كل هذه الحلول . نفس الحال مع مشاكل العمل .. الرؤساء وأوامرهم .. أشكو لها .. تريحني .. وكوباً من الشاي و .. .. لكنني أيضاً تبينتُ عجز هذه الكلمات .. صرنا لا نتكلم إلا حول زيارة والدتها أو أختها .. في تلك الليلة .. بدأ اللقاء لكنه حتى لم يتم .. بل لم يستمر إلا لثواني
قلتُ لنفسي ربما هذا ما جعل زوجتي تتهمني بأن الهِرم قد أصابني . ويجئ صغيري بينما أطالع الجريدة في الشرفة يخبرني.. " أبي أشعل أحدهم ناراً في كومة الزبالة بجوار سيارتك " - فلقد صار تقليداً منزلياً بيننا أن نسميها سيارتنا - " وامتدت النار .. وأشعلت السيارة .. .. " قاومت ألا أبكي أمام الصغير .. لكنه بعناد طفوليّ يعود ليقص من جديد كيف امتدت النار من الزبالة حتى لحقت بالسيارة .. وكعادة الأطفال يتذكر أحدى التفاصيل الصغيرة ويبدأ الحكاية من جديد .. . ضٓعُفت مقاومتي .. بكيتُ .. غادرنا الصغير ..وعرفتُ أنه ذاهب إلى أمه في المطبخ يحكي لها عن السيارة وعن بكائي .. وسمعتُ نتفاً من كلماته .. توقعتُ أن تجئ زوجتي لكنها لم تحضر بل أكملت ما كانت تؤديه في المطبخ .. .. ثم جاءت وهى تجفف يديها في قماشة صغيرة بعد أن نزل الصغير ليستكمل مشاهدته لسيارة المطافئ -التي حضرت خشية على باقي السيارات- هى تجهز على ما تبقى من نيران .
-:
علمتَ بما جرى .
هكذا بدأت زوجتي حديثها .. وهززتُ رأسي 
-:
هل صحيح أنك بكيت
نظرتُ خجلا .. وبحثتُ عن إجابة .. ساعدتني الجريدة في تأليف ما يبدو منطقي .. 
قلتُ : أبداً .. أحزنتني أحداث لبنان القتل والدمار في كل مكان .. وهذه الحرائق التي لا تنتهي .
هزت رأسها وغادرت الشرفة كأنها فهمت أو أطمأنت .. وكانت هناك دمعتان مازالتا محتبستين .
غبريال زكي غبريال
13 \ 9 \  1985


رؤيا نقدية ل \  نورهان صلاح


.. الكاتب غير معروف لدى . والنص نشر فى منشور ما لا اعرفه تحديدا . انما كان مشارا لى على الفيس بوك من قبل الكاتب الكبير الاستاذ \ نعيم صبرى . النص اعجبنى فكرته ورأيت ان من حق الكاتب ان يضاف الى ذاكرة القصة المصرية : -
_  نص كلاسيكى . سهل ليس به مجازات لغوية ولا خيال . وهو سردى تقليدى اقرب الى الواقعية فى النص القصى . لكنه متناغم فى لغته البسيطة التى تطرح الفكرة بيسر وسهولة . والفكرة هنا ان سيارة قديمة مهملة . ادت مهمتها على اكمل وجه فى خدمة اصحابها حتى بليت وصعب اصلاحها فأهملت فى ركن من الشارع قد نرى هذا كثيرا فى شوارعنا . نرى الاطفال يستخدمونها فى الاختباء واللعب واللهو بكثير من العنف حتى اصبح امر اصلاحها مستحيلا . وقد اراد كاتبنا ان يضع بطله فى مقارنه فجعله اشبه بسيارة قديمة اطاح بصحتها الزمن . وعدد ما يعانيه من امراض وتغيرات فى مجرى حياته . واذا كان البطل قد انهكته الحياة والصعاب والاولاد . فالسيارة قد انهكها الاهمال واصبحت مكانا للهو ومقلبا للقمامة
وقد شبهت زوجته الحالة . بالعجز . سيارة عجوز وهو ايضا عجوز . كان يريد ان ينقذ نفسه . او يصلح حالته بشراء سيارة قديمة يرى نفسه فيها . لكن كان هذا مستحيلا فقد شوهت معالمها تماما . بصورة يصعب اصلاحها . هكذا راى فيها نفسه وتماها فى المقارنه .. ؛؛



(ليس لدينا تعريف كاف، عن القاص والروائي غبريال زكي غبريال، غير أن له روايتين صادرتين عن دار الحضارة للطباعة والنشر، وهما: وصايا اللوح المكسور، والمقامرون.
وثم مقال للأستاذ يوسف القعيد عن رواية ( وصايا اللوح المكسور) ننشره هنا رجاء أن يضيء للقراء جانبا عن الكاتب ( غبريال زكي غبريال).
 ومدونة صدى، ترحب بأي نصوص قصصية له، أو معلومات عنه، يمكن إضافتها إلى ملفه في ذاكرة القصة القصيرة)  أسرة تحرير صدى.






عن وصايا اللوح المكسور
كتبه الأستاذ: يوسف القعيد

نقلا عن جريدة الرأي http://www.alraimedia.com/Home/Details?Id=7f3075b1-0530-40fa-b43b-5ddc5ad842e5

" إنها الرواية الأولى للدكتور غبريال زكي غبريال. المولود في القاهرة سنة 1945. وحاصل على بكالوريوس طب بيطري. وخدم كرقيب طبي في الجيش الثالث الميداني المصري في حرب 73، ولم ينشر قبل هذه الرواية سوى القصص القصيرة. لديه الكثير من الأعمال الأدبية، ولصعوبة النشر قرر نشر العمل على نفقته وبمساعدة أصدقائه. وروايته مهداة إلى والد الروائي وأمه اللذين تحملا الكثير من عثراته. وأيضاً إلى زوجته «امتداداً لهما».
والرواية تبدأ بلقاء بين البطل بولا عازر جرجس وصديقته التي تطرده من منزلها. كان قد تصور أنها كأرملة سترحب به. والروائي حريص على أن يثبت من الصفحات الأولى أن بطلته مسيحية، وأن بطله أيضاً مسيحي. ويصدر قرار بنقل بولا للقيام بأعمال مدير ببني سويف «شمال صعيد مصر» كجزء من تنقلات شملت الجميع. يستعرض حاله. وهي فرصة للروائي لكي يقدم لنا ظروف بطله، ابنته مريم في الثالثة بصيدلة القاهرة، ابنه كريم في الثانية الثانوية، زوجته ناهد، تعمل في فرع للبنك على بُعد كيلو مترين من منزلهم.
بعد ترتيب أموره يقول له زميله... إن النقل فيه مكيدة. وزوجته تضيف، إن في المكيدة بُعدها الديني، وتصر على أن صاحب المكيدة قبطي مثلهم. وهي متأكدة أن كل مكيدة ضد قبطي هناك إصبع قبطي خلفها، وتقول له:
- المر الذي يختاره الرب لي خير من الحلو الذي أختاره لنفسي.

يحس بولا بالفارق بين الحياة بالقاهرة والحياة ببني سويف، يشعر بتصرفات مركبة في هذه البلدة بخلاف العاصمة، ويقابل في بني سويف مسلماً عائداً من المملكة العربية السعودية بعد سبعة عشر عاماً من العمل هناك. ولأن الأسماء لها دلالات دينية في مثل هذا النص الروائي. فإن المؤلف يبدو مشغولاً بشرح الأسماء ويقدم معلومات ربما كانت جديدة خصوصاً بالنسبة للقارئ المسلم.
- وكان اسمها مريم، للدقة كان اسمها مصطفية مصطفية.

سأل والده...
- مصطفية أليس اسماً مسلماً؟!

رد والده المقدس:
- واصطفاك على نساء العالمين.

وكان أن سمى ابنته مريم.
يناقش بولا مع زوجته ناهد وضعه، رأيها أن يطلب إلغاء النقل، وإلا فهو يغوص في الاستكانة. يرد عليها:
- رفضت أن أكون مقتولاً. ونمت الشراسة بداخلي، ولكي تنمو أكثر كان لابد من الابتعاد.

ويعزيه زميل مسلم معه في العمل في وفاة أطباء شبان قتلوا في لوكاندة بالمنيا، كانوا يعملون في مجال الدعاية للأدوية، وهذا الخبر لم تنشره الصحف، ولكنه سرى من المنيا لبني سويف عبر الأفواه، وأول دعوى يلبيها بولا ببني سويف لزيارة منزلية معلنة لزملاء العمل الجدد المسلمين تحسباً لأي تقولات. أما زيارته لمنزل «أبونا إسحق» فلن يعرف بها أحد، ويلاحظ أنه بدلاً من صور القديسين، كانت هناك آيات قرآنية معلقة على الحائط، يصل زميله المسلم، فيقول له بولا كما يفعل المسلمون حرماً، فيرد عليه المسلم، كما يقول المسيحيون: معاً إن شاء الله.
من قضايا المجتمع القبطي في مصر التي ترد في هذه الرواية قضية سفر الأقباط للقدس، تريز تسافر لتقدس. «يعني سافرت لإسرائيل. البابا قطع حرمانية على أقباط مصر لو سافر أحدهم إلى القدس»، مناقشات كثيرة تدور بين الأقباط حول التحريم، البعض مؤيد، البعض رافض، أنجيل زميلة تريز. تتناول الأمر هكذا: انشغلت أنجيل حوارياً حول الموضوع، لكنها لا تقدر على مخالفة البابا، ترددت داخلياً حتى لو كان مخطئاً، لا أتصور مخالفته وإلا انقسمنا على أنفسنا، أنجيل تقابل تريز في الكنيسة وتسألها عن حكاية السفر لإسرائيل. ترد عليها:
- أنا موظفة حكومية. لا أملك الرفض. البابا قطع حرمانية على من يذهب ونيته التقديس، هل لو كنت مكاني، أما كنت ستفعلين مثلي؟! وبعد رجوعي أحتفل بالعيد مع كنيستي.

وتسرح أنجيل في خيالها: أورشليم مرتبطة في وجدانها بقول المسيح: يا أورشليم. يا راجمة الأنبياء وقاتلة المرسلين، كم تتمنى أنجيل السفر لمهد المسيح. وكنيسة القيامة لرؤية طريق الآلام وجبل الجلجثة، تتمنى لو قدست وحققت حلمها الباقي. حظيت تريز بسهولة على هذا الحلم، ودون تكلفة. على نفقة الدولة. تردد أنجيل: هل هذا معقول؟!
ويناقشها بولا، في قضية سفرها لإسرائيل. يقول لها بعيداً عن البابا شنودة وتحريمه، فليس هذا هو موضوعنا. إسرائيل لا، مصر تتفاوض، الفلسطينيون يتفاوضون، الجميع أحرار فيما يفعلونه، وبالنسبة لي إسرائيل لا، لو رأيت إسرائيليين جسدي ينتفض، فما بالك لو ذهبت إليهم؟ لن أتحمل. لا أضمن رد فعلي، إنهم أعدائي، قتلوا زملائي وكان من الممكن أن أكون أحد القتلى.
وقرب نهاية الرواية يقرر بولا السفر إلى «أسيوط». وبعد سفر بولا بيومين، يأتي اتصال غامض أن بولا في خطر، تسافر الأسرة، تعرف أن القطار الذي كان يستقله تعرض لهجوم. وأن الخبر انتشر في أسيوط. ولا يقول غبريال من الذي هاجم القطار، تتماسك ناهد، تحير بتماسكها كريم، مريم تحاول أن تتماسك. ضابط شرطة يتقدم من ناهد قائلاً:
- لن يفلت أحد منهم... أرجوك. نريد أن نلم الموضوع، الموقف ملتهب. أنت قاهرية ولا تعرفين الصعيد.

صرخت فيه ناهد:
- ماله الصعيد، رجال أشراف هوارة، عرب أشراف، ماله الصعيد، أنا من نجاه لقصر «الأقصر» ماله الصعيد. ماذا تخشى؟ مم تخاف هات لي حادث جتل «قتل» ليس للشرف.

يتقدم منها أحد الأقارب:
- المهم الآن، ماذا ترغبين يا بنتي، هنا أم في القاهرة؟! فهمت ناهد الرجل يتكلم عن الدفن. تبكي ناهد، «جنب جراباته ياعم» بجانب أقاربه ياعم. ألم يأت برغبته؟ لتكن مشيئة الرب.

ويكتب الروائي اسمه هكذا: غبريال زكي غبريال حنا داود حنا، الاسم خماسي. كنت قد سألت المؤلف عن السبب في الاسم الطويل، فقال لي إن المشكلة في مصر، بعد ظهور الاسم الثنائي، تاهت أسماء العائلات. وأسماء الأجداد ومن حقهم أن تبقى أسماؤهم فترة من الوقت. وإنه يريد أن يعيد ذلك من خلال أن يضرب المثل بنفسه، لكنه عندما يحدد مكان وزمان كتابة الرواية يكتب هكذا: القاهرة أسيوط. أو مصر الجديدة. درنكة، أما تاريخ الانتهاء من كتابة الرواية فيدونه هكذا: 13 مايو 1997/ 6 ذو الحجة 1417/5 بشنس 1713، ولن أتساءل عن تدوين التاريخ الفرعوني القبطي القديم، ذلك أنه مدون في ترويسات صحفنا السيارة، وإن استغربت كتابته في آخر الرواية، أما العبارة الأخيرة فهي: وانضمت ناهد إلى زمرة لابسي السواد. وبين البكاء الأول، والسواد الأخير، مجتمع لا يمكن إلا أن يكون فيه عنصرا الأمة، رغم أن الروائي يسخر من مذيعة التلفزيون عندما تقول هذا الكلام، إلا أنه رغم هذه السخرية بالكلام فإنه يكرسها، حتى وإن لم يهدف إلى هذا. من خلال أفعال الرواية، إن كلام هذه الرواية جميل. ولكن المشكلة هي في أفعالها. والخطير هو الرسالة التي تحاول توصيلها إلى القار".


تمت مراجعته من قبل سيد الوكيل في أغسطس 19, 2018 تقييم: 5

ليست هناك تعليقات: