Powered By Blogger





الملهى القديم
قصة/ إبراهيم أصلان










قراءة فى قصة ( الملهى القديم )  سحر عبد المجيد:

ترتكز القصة على ثلاث محاور أساسية بهذا الترتيب ( المكان / الزمن / الرجل/ المرأة ) .
يبدأ تجلى المكان بداية من العنوان، ولنا أن نتخيل كم الزخم والذكريات التى يضج بها المكان، ونوعية الشخوص المترددة فيه، يأخذ أصلان المتلقى لهذا المكان الصاخب قديما / الهادئ حد الموت الآن.. ومن هذه اللحظة الهادئة جدا تماما ينطلق للشخوص.. تأتى الشخوص مناسبة تماما لحالة القدم التى يبدأ بها ويحدد الزمن الذى ينطلق من خلاله..الرجل ضئيل الحجم.. خال من الضخامة، كذلك المكان البطل الأول / الميدان نفس حال الرجل كان    ( خاليا ) حتى الأعمدة رفيعة منحنية.. كل المكان ينطق بالقدم والتهالك..تدور القصة من خلال أربعة مشاهد متتالية، وفى بعض الأحيان يتقاطع مشهدان.. المشهد الأول الميدان ويعرض له صورة بسيطه، ثم المشهد الثانى وهو المكان المركز فى القصة " المحطة " المستديرة التى ينطلق من فوقها ذلك المشهد..فوق المحطة الكشك الخشبي الذى يظهر من خلاله الشخص الثانى البائع..ويبدأ حوار طبيعي بين الرجل والبائع حول " علبة السجائر" بانتهاء عملية الشراء والبيع نتوقع انتهاء المشهد، إنما تتطور الأحداث فيجلس الرجل بجانب الكشك ويطور الحوار فى سرد بسيط يعكس شخصية الرجل الذى يعيش وحيدا.. تلك الحميمية التى يحتاج إليها والحديث الذى يود أن يتبادله مع أى شخص حتى ولو بائع فى الشارع، كما يعكس صفة إنسانية لدى البائع الذى استجاب للحديث بسهولة دون قلق أو تعقيدات.. يقطع المشهد بخروج عسكرى دورية من تحت البوابة العالية من " ملهى الكيت كات " الاسم الآخر للمكان..يعود للمشهد الثانى الرجل / البائع .. ينتقل من خلال عودته إلى محور الزمن الذى يتوقف بتوقف بسؤال الرجل عن الوقت ويرد البائع : " يبدو أنها متوقفة " .. فهو وقت مقتطع من الحديث الإنسانى الذى لا يشعران من خلاله بالوقت الذى يبدو أنه يؤرق الرجل أثناء وجوده وحيدا فى غرفته المنفردة فوق سطح عمارة انتقل إليها عندما سقط منزله، فهو ربما أعجب بالمكان فهو يعرفه جيدا عندما كان يزور ابنته قبل موتها...يتبادلان الحديث حول الوقت/ الكتاب القديم / أوقات تواجد الرجل فى الكشك.. ثم ينتقلان إلى المشهد الثالث ( مشهد الشاطئ ) والشخصية " الوحيدة "  الموجودة فيه هى " المرأة العجوز " يسأل عنها البائع.. ومع استمرار الحوار يظهر للقارئ أنه متابع جيد للمرأة العجوز.. يطرح الرجل عدة أسئلة تنطق كلها بوحدته الشديدة.. يقطع المشهد بمرور فتاتان يسأل البائع عنهما يخبره بلفظ نكرة يحمل مدلولا اجتماعيا " بنات " فى هذا الوقت من الليل بجانب ملهى ليلي يمر " بنات " هل متوقع يمر نوعية أخرى من السيدات ؟ هناك مشهد رابع عابر فى مواجهة الكشك يظهر بتحرك عسكرى الدورية عند محطة البنزين، ثم التقى بالفتاتين عند مدخل شارع السلام.. مجرد إشارة موحية وتساؤل، ماهى العلاقة بين عسكرى الدورية الذى يخرج من تحت باب الملهى بالفتاتين؟..يعود للمشهد الثالث ومحاولة معرفة معلومات حول المرأة العجوز، ليختم المشهد الخاص بها بجملة " ضرورى كانت سيدة طيبة " ..يعود للوقت المتوقف مرة أخرى ،لكنه يستنتج تأخر الوقت وضرورة العودة.. هذه الفسحة اللطيفة للرجل العجوز  الذى يعيش فى حارة " حوّا " ذلك الاسم الموحي جدا بظهور المرأة بمراحل عمرية مختلفة عبر اسم " حوّا " وهو المكان الذى يحتوى بيت الرجل، مرورا بالفتاتين وأخيرا بالمرأة العجوز، التى وضّحت لنا مدى المعاناه التى تعيشها والذى يعيشها كل عجوز بفعل الفقر، أو الزمن أو موت الأولاد وهى " الوحدة " حتى البائع وحيد، فلديه ابن لكنهما لا يلتقيان فهو يعمل بالليل والابن يعمل بالنهار.فالوحدة هى المحرك الإنسانى للعجوز الذى يخرج يمشي فى الليل.. يدخن مع البائع علبة سجائر كاملة.. يراقب الفتاتين.. يقرأ اللوحات..الوحدة التى يتوقف معها الزمن الحاضر والذى عبر عنه بشدة بتوقف الساعة.. إنما تتجلى الذكريات بشدة.. ثم اخيرا حالة الإحساس بتلك السيدة واستنتاج أنها كانت طيبة والإلحاح حول معرفة أى شئ عنها..إنها الوحدة المحرك الرئيسى للأحداث والبطل فيها " الزمن ".
هناك بعض التركيبات اللغوية المستخدمة فى القصة والتى تتناسب بشدة مه العنوان – لفتت انتباهى – وهى :
-        ضئيل الحجم .
-        محطة مستديرة عليها كشك .
-        انتصب عدد كبير من الأعمدة.
-        تحرك من تحت البوابة.
-        قاعدة فتحة الكشك المربعة.
-        امرأة / بنات / ابنتى
تلك التركيبات التى تحمل عالم الملهى الليلي بشخصية الرجل العجوز ونظرته، ذلك العالم المحدود بعرفه فى اختيار ألفاظه.. جاءت المفردات فى النص عاكسه هذا العالم بشدة عالم الرجل / المرأة.. حالة الوحدة الشديدة التى يعانى كلا منهما والاحتياج الشديد لوجود شخص آخر فى حياة كل منهما .
قصة ( الملهى القديم ) / إبراهيم أصلان/ مجموعة بحيرة المساء / الهيئة العامة المصرية للكتاب / 1994
تعريف بالكاتب
" كاتب الستينات الأشهر إبراهيم أصلان الذي اشتهر في الأوساط الثقافية و الإعلامية بلقب " الغلبان" بسبب حياته التي غلب عليها تواضع الحال،وهو أيضا " جواهرجي القصة القصيرة "[1] و لعل أشهر ما كتبه هو رواية " مالك الحزين" التي لاقت نجاحا و انتشارا واسعا بين أوساط العوام و المثقفين، و تم تحويلها فيما بعد إلى فيلم سينمائي هو ( الكيت الكات ) من إخراج داوود عبد السيد،الذي صار علامة في السينما المصرية في التسعينات.
شهدت قرية شبشير الحصة التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية ولادة الكاتب ابراهيم أصلان والذي نشأ وتربى في القاهرة وتحديدا في حى إمبابة والكيت كات وكانت مجموعته القصصية الأولى "بحيره المساء" وروايته الأشهر "مالك الحزين"، وحتى كتابه "حكايات فضل الله عثمان" وروايته "عصافير النيل" وكان يقطن في الكيت كات ثم انتقل للوراق ثم المقطم
كان تعليم ابراهيم أصلان متذبذبا منذ الصغر، فقد ألتحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى أستقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد، لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية.
 ألتحق إبراهيم أصلان في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجى ثم في إحدى المكاتب المخصصة للبريد، وهي التجربة التي ألهمته مجموعته القصصيه "ورديه ليل". ربطته علاقة جيدة بالأديب الراحل يحيى حقي، ولازمه حتى فترات حياته الأخيرة، ونشر الكثير من الأعمال في مجله "المجلة" التي كان حقى رئيس تحريرها .
تم تعيينه في أوائل التسيعنيات كرئيس للقسم الأدبي بجريدة الحياة اللندنية إلى جانب رئاسته لتحرير إحدى السلاسل الأدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، إلا أنه أستقال منها أثر ضجه رواية وليمة لأعشاب البحر للروائى السوري حيدر حيدر.
توفي في السابع من يناير عام 2012 عن عمر يناهز 77 عاماً".[2]


تمت مراجعته من قبل سيد الوكيل في أغسطس 18, 2018 تقييم: 5

ليست هناك تعليقات: