Powered By Blogger












القراءة النقدية وإعداد المحتوى: الأستاذ الدكتور مصطفى الضبع


محسن يونس حسانين أبو محمود
المعروف فنيا وسرديابمحسن يونس.
 مواليد ديسمبر 1947، ينتمي لجيل عايش الأحداث الكبرى في الحياة المصرية والعربية: هزيمة يونيو وتوابعهاحرب أكتوبر ونتائجها، الربيع العربي وتبعاته، وما بينها من أحداث لا يدرك نتائجها إلا كاتب يمتلك وعيا من نوع خاص.
لم ألتقه سوى مرات قليلة ربما في مؤتمر أو في ندوة لكن قراءة مشروعه تجعلك على اتصال دائم بتجربة كتابة ليس من السهل التخلص من سطوتها ولا تجاوز جمالياتها.
هو واحد ممن تأخرت في الكتابة عنهم لأسباب لا تخص التجربة ولكن ربما يبدو الأمر غريبا أن تعجبك كتابة تكتفي بالاستمتاع بها دون أن تجرحها بالكتابة، كأنها عالم يؤرقه أن تكتب عن تفاصيله أو أن تختزلها في سطور، فالكتابة عن نص تشبه ترجمته، هي في كل الأحوال خيانة أو هي نوع منها.
بشكل خاص ومع كل عمل تقرأه لمحسن يونس فأنت على موعد مع عمل قادم، كل نص يرجئ اكتمال القراءة لما هو قادم فالنص لا ينغلق أفقه ولا يتوقف عند مشهد محددفكل نص يشحن متلقيه شغفا لما هو قادم.
هو واحد من الكتاب الذين يمنحون متلقيهم مايلهمه جانبا نظريا في الكتابة النقدية، كتابة تجعلك لا تكتفي بها جزئيا وإنما تدفعك لقراءة النصوص بوصفها نصا واحدا، حيث العالم لوحة من الفسيفساء تتعدد ألوانها دون أن يكون بمقدورك أن تستغني عن لون منها أو عن تفصيلةمن تفاصيلها، محكمة يصيبها الخلل إن اختفت تفصيلة مهما كان حجمها، كتابة تنفصل لتتصل، قد تقرأ مجموعة قصصية تعيش في عالمها لكن يظل هناك ماهو أوسع من هذا العالم ، فالسارد لا يتقوقع عند مساحة محلية يبسط عبرها مدونته السردية وإنما يجعل من العالم مجموعة من الدوائر المتحركة في الزمان والمكان .
هي تجربة ثرية عبر عالمها الذي لا ينضب، كتابة واحد ممن آثروا أن يبقوا بعيدا عن القاهرة ليصنعوا تأثيرهم فيها وفي تجربة الكتابة المصرية بكاملها، تجربة سردية بامتياز، تتبلور في حكمة فيلسوف وأزميل نحات، وكاميرا صحفي عميق الرؤية يتابع العالم بتفاعل يليق بكاتب من طراز خاص.
ربما يشغلك محسن يونس القاص عن محسن يونس الروائي، ولكنك في النهاية تقع في فتنة الاثنين، ربما لأنني عرفته قاصا (أول مجموعة قصصية قراتها له كانت الكلام هنا للمساكين بغلافها الأخضر وطبعتها الأولى الصادرة عن دار الغد) بعدها انفتحت الرؤية على مكاشفة نموذج السارد في موقفه من العالم بداية من الأمثال وانتهاء بحرامي الحلة.
في قصته " الضوء أحمر" المنشورة في مجلة الكرمل أكتوبر 1984، ليس ثمة ضوء أحمر يفرض نفسه عبر لغة مباشرة(لا يتضمن معجم القصة مفردة من مفردات العنوان مما يجعل من العنوان بنية يفككها النص داخله، وتحرك مخيلة المتلقي للربط بين الضوء في احمراره والنص في اكتنازه بالعلامات المفسرة للعنوان)، فقط هناك ضوء أحمر يشعله الجيل الجديد جيل العلم الذي يتولى عملية السرد، سرد عالم يقاوم لأن يبقى على حساب الأجيال الجديدة أو العالم الجديد.
يحشد النص كما من العلامات السردية التي يتوالى ظهورها، وتأخذ كل منها دورها في نطاق العالم المسرود أولها الجد وآخرها أميمة أو السارد في محاورته مع أميمة.
" جدي وقع مريضا" هكذا يبدأ النص عبر جملة ناعمة ، تبدو جملة عادية قبل أن يتابع المتلقي ماترتب عليها من أحداث عندها تتخذ شكل الجملة العنقودية التي تتوالى الجمل بعدها متصلة بالفاء العاطفة في دلالتها على السرعة ، سرعة توالي الأحداث ترتيبا على الحدث الأساسي أو الحدث المغير للتوازن السائد والسابق غير المذكور أو غير المطروح على السرد ولكنه مطروح على الوعي (ما قبل وقوع الجد مريضا) ، ويكون للوقوع أثره في تشكيل سلسلة من الأفعال المتوالية ، حيث تتوزع الأفعال المسندة لفاعلين متعددين: وقع هدأ شجار أغلقنا الراديو، ومنها تنطلق سلسلة أخرى تخص النساء  : النسوة تحلقن قرفصن ، وهكذا حيث يطلق فعل المرض فتيل السرد لتتوالى الانفجارات إيذانا بالانفجار الأكبر ، انفجار الوعي الذي يكشفه وقوع المرض بوصفه حدثا يكسر التوازن السابق ويحرك المتلقي للبحث عن أو التفكير في أسباب المرض عبر حزمة من الأسئلة : هل المرض بفعل السن أم بفعل أسباب أخرى ؟ ، وهل المرض حقيقي أم مجازي ؟ ، وهل كان الجد مريضا من قبل ووقوعه جاء نتيجة مرض دائم أفضى إلى الوقوع .
تتوزع الأحداث بين ثلاثة أجيال تتحرك عبر وعيها: جيل الجد والجدة، جيل الوسط تمثله العمات النساء ويغيب الأعمام الرجال فقط تدل عليهن النساء من خلال علامتين، نسوة الأعمام " نسوة أعمامي تحلقن حول الفراش"، وأميمة ابنة العم التي تعد شريكا فاعلا في التعبير عن الجيل الثالث وتنفرد مع السارد في التعبير عن هذا الجيل.
السارد بوصفه منتميا للجيل الأخير يقف كاشفا (بحكم دوره وبحكم مسؤوليته عن السرد، وبحكم وعيه) للأجيال السابقة، وللوعي السابق بالعالم، وعي الجدة المسيطرة على الأمور، تتحكم ثقافتها في توجيه الجد للعلاج وتتحكم في الفصل بين البنات والبنين، وهنا تفرض دلالة اللون الأحمر نفسها بوصفها نظاما للتحذير من سيادة الوعي الماضي، أو فرض الماضي نفسه على وعي الشخصيات، والسارد يجنح إلى جيله (لا يذكر منه إلا أميمة ابنة العم التي لاصوت لها حتى لكأنها تبدو شخصية تعيش في خياله فقط أو هي شخصية من صنع وعيه ، وعندما تتكلم يأتي صوتها غير واضح حتى لابن جيلها وابن عمها الأقرب لها) ، تظهر أميمة في لحظة محددة مقترنة بالمعرفة ، والعمل المشترك المؤكد للوعي الجديد القائم على الإيمان بالطب بوصفه علما " كنت وأميمة ابنة عمي ندخل عند الجد نقرأ المواعيد على علب الأدوية ، وأمسك برأس الجد بينما تصب في حلقه الجرعات.......كنا نذاكر سويا " .
يغيب رجال جيل الوسط الذين يمثلون الحاضر، ويتصدر الجيل الماضي المشهد عبر أكثر من علامة سردية: الجد والجدة وجيلهما –مرض الجد بوصفه الحدث الفارض نفسه على النص ومحركه التفاصيل الأخرى التي كان من المفترض ظهور الأعمام فيها ولكنهم يغيبون بشكل واضح ودال.
وهنا يمكن للإشارة الحمراء أن تفرض وجودها تأويليا حيث هي إشارة مجنحة تتحرك في اتجاهين : اتجاه يخص سطوة الماضي وغلبة الثقافة المضادة للعلم ، واتجاه يخص غياب جيل ينتج عنه غياب وعي جيل لاحق يستمد ثقافته من جيل الأجداد الأقدم وليس من جيل الآباء الأحدث أو الأقرب لطبيعة العصر .
القصة في النهاية تقدم شهادتين : أولاهما على العصر ، وثانيتهما على كاتب من طراز قل وجوده حد الندرة في الأجيال اللاحقة .







من أعمال الكاتب
1– الأمثال مجموعة قصصية 1980
2– الكلام هنا للمساكين - قصص قصيرة - دار الغد 1989.
3 - الأمثال في الكلام تضيء -قصص قصيرة - الهيئة العامة للثقافة 1992.
4- يوم للفرح الهيئة العامة للكتاب 1992
5– حلواني عزيز الحلو - روايـــــة الهيئة العامة للثقافة 1998.
6– بيت الخلفة، تعديدة روائـــية فى أدوار الهيئة العامة لقصور الثقافة
2004.
7 – سيرة جزيرة تدعى ديامو (موجات قصصية) دار نشر "فكرة " القاهرة 2008.
8- حرامي الحلة رواية دار الأدهم 2012.
9- خرائط التماسيح، مقامات معاصرة مركز الأهرام للنشر 2015.
* نشر معظم قصصه فى جريدة المساء القاهرية الكراسة الثقافية القاهرة مجلة كتابات القاهرة مجلة الثقافة الوطنية القاهرة جريدة الشرق الأوسط لندن سيدتي لندنمجلة النديم القاهرة المسلمون لندن مجلة خطوة القاهرة - مجلة الكرمل العد 14 والخاص بالأدب المصري الآن مجلة أدب ونقد القاهرة مجلة صباح الخير القاهرة مجلة الثقافة الجديدة مجلة إبداع مجلة القاهرة جريدة الأهرام جريدة أخبار الأدب مجلة الجسرة الثقافية القطرية.
- نشر عنه ملف كامل بمجلة الثقافة الجديدة القاهرة - تحت عنوان " الربابة والقلم "
* تناول أعماله بالدراسة والنقد كل من : إدوار الخراط فى كتابه " مختارات القصة القصيرة في السبعينيات " – إبراهيم فتحي د: سيد البحراوي صحيفة الأخبار " تجليات أدبية –     د مجدي أحمد توفيق ضمن ملف صدرعن المؤلف وأعماله بمجلة الثقافة الجديدة العدد 78– فريدة النقاش صحيفة الأهالي- أحمد عبد الرازق أبو العلا مجلة الثقافة الجديدة محمد السيد الزكيالسيد إمام على لاشين مصطفى كامل سعد جمال الغيطانيحسن الجوخ سلسلة كتابات نقدية العدد 120 الهيئة العمة للثقافة 2002– السيد النماس سمير الفيل جمال سعد - صلاح عساف وآخرون ..



تمت مراجعته من قبل سيد الوكيل في سبتمبر 21, 2018 تقييم: 5

هناك تعليق واحد:

  1. كل الشكر والتقدير على المستوى الشخصى ، والمستوى الثقافى للدكتور مصطفى الضبع ، الذى ملأ ذاكرتى مع قلة الوجود وجها لوجه ، إلا أنه حصل على كامل انتباهى واحترامى ، كنت وما زلت أقدر له حديثه معى ونحن نعبر النفق ونحن خارجين من معرض الكتاب - آسف لا أتذكر السنة - ولكنى أتذكر الحدث ، ما تآلفت الروح مع روح أخرى إلا برسائل الحب والمودة ، وهذا ما شعرت به .. كل التحية له والاعتزاز والعزة بما كتب ..

    ردحذف