Powered By Blogger




الأســـــــــتاذ

قصة: محمد الشربيني



في الشارع قابلها وأدار عينيه ونظرت ووقفت ونادته والتفت وتلعثم وارتبك وسلم وعلى وشك أن تعانقه..
 وكنت فين من زمان، ها قوله إنك جاى بكره.. ..
لا أستطيع يا أستاذي العزيز أن أحدد لنفسي.. ماذا - إنه سؤال محدد كما تطلب دائما - ماذا أريد ومن أنا ،هل أنا ذلك الإنسان الذي يصحو وينام ويأكل ويشرب ويحب ويكره ويتزوج وينجب ويقرأ ويربى أولادا ثم ينتظر الموت، ماذا أريد يا أستاذ، لا أستطيع أن أغير مجرى الكون.. أريد أن أتغير ولو إلى الأسوأ.. آمل أن أحدد لنفسي طريقا جديدا، لا أريد أن أكون مثالا مكررا.. آكل وأشرب وأعمل وأساق وأنا معصوب العينين وأنام منتظرا..
.. قبضوا على الأستاذ، طبعا من أجل ما يكتبه ، لا أحب أن أقرأ له ، ولا أحب الإنصات لثرثرته أو حتى الأغاني التي يسمعها ، لا أفهمه ولا يفهمني، لقد فاض بي، لماذا تعاملني هكذا ، بلاش كلمة مدام دي، نسيت أيام شرح الانجليزي.. الأستاذ .. وهو فين الأستاذ .. أنا لا أراه ، لم أعد أتحمله .. أصحابه جعلوا من البيت قهوة .. لم أعد أستحمل ..
 لا يمكنني يا أستاذ أن أتخيلك نزيلا في الليمان ، لا يمكن أن أتصور أنك رضيت بهذه الزوجة، أعرف أن والدك أجبرك يومها ، وأعرف أنه سخر من حالك وقارنه بحال أبيها المقاول ، ولكن يا أستاذ كان الأجدر بك أن تترك أباك والدنيا كلها وتهج أو .. تموت ..      
  أعرفها جيدا ، فنحن جيران طفولة، أو الأصح طفولتي أنا ، وتأخذني أمي من يدي لتقدمني لها : والنبي ياختي تفهمي الواد اللي ما بيفهمش ، أصله سقط في الحساب والانجليزي.. وأنا أجلس معها بين أربعة جدران ، وتجلس أمامي وتنظر إلى عيني وتمسح العرق من فوق جبهتي وتضمني وتسألني : بتحبني .. فأهز رأسي.. أوعى تقول لأي حد على حاجة .. ويستمر الشرح حتى أنتهي من الإعدادي، وننتقل من البيت بعد أن تركت قلبي معها..
  جاءني أحد زملاء الأستاذ وأخبرني بأهمية أن أراجع أشياء الأستاذ الخاصة، لأنه قد يكون هناك ما يضره وأنهم قد يفاجئونني بالتفتيش أيضا، و لم أصدق كلمة مما يقال.. ..
 قال أحدهم : يا ست هانم جوزك عميل .. أقرى الجرائد :" القبض على أكبر شبكة عميلة" ..
 وبدأت المراجعة، أدرت جهاز التسجيل ، سمعت صوتا يملأه الشجن ، يخرج مشنوقا من الجهاز: مصر يا مه يا بهية .. مصر هي الإنسانية .. الزمن شاب وأنت شابة ..هو رايح و أنتى  جاية . أدرت الشريط للمنتصف ، سمعت نفس الغناء.. وضعت الشاي وجلست أمامي متبرمة، الشريط ما يزال يدور عن مصر والزمن الذي شاب والطرحة .. والجلابية ، ضحكت .. اضطربت أكثر، بعد أن ابتلعت لعابي تنهدت وكان الشريط يدور، ابتعدت في وجل وقد تعلقت في طرف قميصي : أرجوك .. الشريط  يدور .. قبل كدة كنت صغير .. يا أم ضحكة وجلابية .. .. دلوقت أنت كبرتي و اتجوزت .. جايه فوق الصعب ماشيه .. فات عليك  ليل وميه ..عندك بيت ومسئوليات .. احتمالك هو هو .. أنا كمان عندي مسئوليات .. ابتسامتك هي هي .. اضحكي للصبح يصبح .. جوزك في السجن يا مدام .. مصر يامه يا سفينة .. مهما كان البحر عاتي.. فلاحينك  ملاحينك .. يزعقوا للريح يواتى .. أنت مش غريب عنى ولازم هاتفهمنى .. اللى فوق الصاري كاشف كل ماض وكل اتى.. تعرفني وأعرفك.. بكت .. عيناها في توسل ..يام طرحه ..أرجوك .. هو رايح أنتى جاية .. ماتضيعيش وقتنا أرجوك .. جاية فوق الصعب ماشيه .. الكلام ده لو كان سائل في.. تضحكي للصبح يصبح بعد ليلة ومغربيه ..
    يا أستاذي العزيز نحن مساكين ، كلنا يجب أن يضرب بالحذاء، ونبصق في وجوه بعضنا ، من نحن يا أستاذ، وماذا نريد، نحن بعيدون عن بعضنا ، اضربني يا أستاذ، اركلني ،  هل أرضى بالحظ والقدر والزمن والموت المنتظر، هل نقتل أنفسنا أم نتوارى وراء الأشجار أم ننزل تحت الأرض ، هل نتخلى عن كل ما نملك في سبيل لقمة العيش..
   في الشارع قابلها وأدار عينيه ونظرت ووقفت ونادته والتفت وتلعثم وارتبك وسلم وعلى وشك أن تعانقه ..جرس الباب متلاحق الرنات ، وحين تأكدت من اختفائه فتحت شراعة صغيرة.. مدت يد تحمل بطاقة تحقيق وأمر بتفتيش المنزل ، دخل ثلاثة رجال ، إيماءة من أحدهم ، هرع اثنان ، مقعد يقلب ، زجاج يكسر، مرتبه ينزع غطائها، قطن يتبعثر من الوسائد، مكتب يقلب ، جاءوا إلى رئيسهم الذي قلب الصالة يجرون الفتى ويحملون الأشرطة والأوراق ، أمسك أحدهم برأسها في ثقة شامتا : طبعا مرات شيوعي ابن .. يا فندم هنا منشورات سرية .. آه تريدون قلب نظام الحكم .. الأوراق دي مدسوسة ..  أخرس يا كلب ..صرخت ، ضربها أحدهم ، ركله في بطنه ، هوت مترنحة ..
   كل هذا من أجل ما يكتبه ، كان الأجدر به أن يترك الدنيا كلها ويهج أو يموت ، مصر يامه يا بهيه .. .. جاءوا إلى رئيسهم الذي قلب الصالة يجرون الفتى ويحملون الأشرطة والأوراق ، اللى فوق الصاري كاشف كل ماضي وكل آتى.. مقعد يقلب ،، قطن مبعثر على الأرض ..اللي ع الدفة صنايعي واللي ع المجداف زناتي .. زجاج يكسر .. مرتبة ينزع غطاءها .. فلاحينك ملاحينك .. يا أستاذي العزيز سامحني ، فأنا لست مثلك.. في الشارع قابلها وأدار عينيه ونظرت ووقفت ونادته والتفت وتلعثم وارتبك وسلم وعلى وشك أن تعانقه .. .. مصر يامه يا سفينة .. مهما كان البحر عاتى.. فلاحينك ملاحينك.. يزعقوا للريح يواتي..


* نشرت القصة في مجموعة " رؤية أخرى من منظار آخر" ، إصدارات الرواد ـ فرع ثقافة دمياط، أكتوبر 1982.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




رؤية نقدية
 عن زمن السبعينيات والغناء المحرم !






بقلم : سمير الفيل.
تعبر القصة عن أحوال مصر في زمن السبعينيات حين تم محاصرة اليسار المصري ، وإخراج تيار اليمين من السجون ، في تلك الفترة التي واكبت سياسة الانفتاح كتب هذا النص الجارح.
 يعبر عن علاقة شاب بجارته التي أحبها لكنها تزوجت ب" الأستاذ " الذي اتهم في قضية منشورات هدامة ، ومحاولة قلب نظام الحكم،  ودخل السجن ، بينما الحياة السياسية في تلك الفترة تموج بالمظاهرات الطلابية والحركات الاحتجاجية ، وهو زمن علا فيه صوت من قلب الشعب.. مثل " الغناء المحرم"  حيث تتردد أغنية الشيخ إمام وشعر أحمد فؤاد نجم ، تتخلل مقاطع الأغنية بنية السرد ، وتكشف عما يحدث بين التلميذ الثائر وجارته الغاضبة ، والعودة إلى البيت حيث الكتب واسطوانات الموسيقى العالمية، وفناجين القهوة ، والرغبة في التحرر والانعتاق من الواقع.
هذه القصة ومعها خمسة نصوص أخرى شكلت مجموعة" رؤية أخرى من منظور آخر" وفيها اصوات متداخلة تقربنا من عوالم المسرح الذي يدخله الشربيني بجسارة فيحقق فيه تميزا: كاتبا ومخرجا وممثلا.
تكون مقابلة البطل المهزوم لها في الشارع، يدير عينيه ، يقف، يتلعثم في الكلام ، يسلم عليها ، وتكاد تعانقه لكن صورة " الأستاذ " تخايلها فيكتفيان بالعتاب واللوم والتذكر.
إن صورة " الأستاذ " تحتل بؤرة المشهد، وهو يعترف أنها كانت جارته، وهو يحبها ، وهي تعترف أنها لم تعد تحتمله فقد تحول البيت إلى مقهى ، وصار زوجها نزيل الليمان شخصا غريبا عنها  .
سنلاحظ هنا أن الزوجة ، الحلم القديم للشاب، لم تكن متعاطفة مع قضية زوجها بل هي تسخر منه ، وترى أنه يضيع وقته فيما لا يجدي ، كما تعترض على أفعاله ، ودخان السجائر والمناقشات العبثية ، وحين يتم القبض عليه تسير في الشوارع تبحث عن معنى ما للوجود.
إن الغناء المحرم كما نجد في تلك المقاطع من " مصر يا اما يا بهية" .. قد صار مباحا .  لكن هناك إحساس عارم بالفقد ، وعدم التحقق ، وأن الاشتراكية التي حلم بها اليسار يصعب تطبيقها في زمن التحول من اشتراكية الدولة إلى التجارة الحرة والبضائع الاستهلاكية ونزعة الانفتاح .
يتساءل التلميذ في بداية النص : ماذا أريد يا أستاذ.. هل أغير مجرى الكون ؟ " وهو سؤال لا ينتظر إجابته لأنه ظل معرضا للسقوط وبعد مرور السنوات لم يجد سوى الفراغ واللا معنى .. فاعتزل كل شيء له صلة بالوطن أو بالحلم!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





تعريف بالكاتب..
( كتب هذا المقال بعد وفاة محمد الشربيني بأيام. ننشره هنا بتصرف )..
بقلم : سمير الفيل
1
مساء يوم الاربعاء 17فبراير 2010 اتصل بي الزميل ناصر العزبي ليخبرني في قلق بالغ أن هناك من اتصل به من القاهرة لينقل له خبر نقل صديقنا المشترك محمد الشربيني إلى غرفة العناية المركزة بمستشفى دمياط العام ، فأخبرته أن علينا أن نسرع بالذهاب إلى هناك لنستجلي حقيقة الأمر . استوقفت سيارة تاكسي أنزلتني أمام باب المستشفى ، ومرقت من بوابة الاستقبال ، فإذا بالجثمان مغطى بملاءة بيضاء رقيقة في طريقها لسيارة واحد من الأقرباء للذهاب إلى بيت العائلة. في تلك اللحظة اتصل بي رفيق عمره أحمد عبدالرازق أبوالعلا ليستفسر عما يحدث عندي في المستشفى فأخبرته أن محمد قد فارقنا . في الساعات الأولى من الصباح أتى سمير زاهر مع زميلين مسرحيين من بورسعيد ودخلا بيت الشربيني وجاء رأفت سرحان  وعلى وجهه سحابة حزن مؤرقة . كان الصمت يحلق في المكان وكانت الجنازة التي شارك فيها حشد كبير من المخرجين والكتاب والمثقفين ظهر الخميس 19فبراير 2010.
2
تعرفت على محمد محمود مصطفى الشربيني المولود في مدينة دمياط يوم 22 فبراير 1954 عن طريق نادي السينما الذي كان يجمع مثقفي المدينة ، وكان يعرض أفلاما مختارة ثم يتلو ذلك مناقشة مستفيضة للجوانب الفنية وفنون الإخراج ، وممن عرفناهم في ذلك الوقت أحمد الحضري ، وعاطف فتحي ، وسامي المعداوي (مخرج الأفلام التسجيلية ) الذي كتب عنه الشربيني كراسة صغيرة حين توفى في حادث مروري قرب شربين.
كانت إذاعة الصباح بمدرسة الصنايع الميكانيكية بدمياط تشهد استضافة كتاب ومخرجين وفنانين تشكيليين للتحاور مرة كل أسبوع. كان راعي هذه النخبة من الشباب مدرس مستنير اسمه طاهر رزق مهموم بالثقافة ، وفي سنة 1970 يتعرف الشباب على مخرج له لمسة تربوية هو أحمد جبر الذي قاد نهضة مسرحية مبكرة ، كما يتعرف غندور والشربيني بعدها بوقت قصير على مخرج بالساحة الشعبية هو نادر شحاتة ، ويلتحقان بفريق المسرح بها ، ثم بعد عدة تجارب يتصلان بفرقة دمياط المسرحية.
يتخرج الشربيني من مدرسة الصنايع قسم سباكة المعادن ، ويعمل بمديرية الشباب بدمياط ، ويكون صداقات قوية بالمكان ويزامل مصطفى الجمل شقيق القاص المعروف والصحافي بالمساء عبدالفتاح الجمل.
كما يتعرف على المناضل علي زهران الذي يمده بكتب ومجلات عن الحركة العمالية المصرية ، وفي نفس التوقيت تحدث عملية الانفتاح بكل تداعياتها، و ينتقدها الشربيني في قصصه التي ستخرج من قصر ثقافة .
3
في الثمانينيات يقدم محمد الشربيني على تجربة جديدة إذ يحول فيلم " طار فوق عش الوقواق " إلى نص مسرحي ، ويذهب إلى كلية التربية حيث يجري التدريبات مع مجموعة من الشباب يمثلون لأول مرة . تعرض المسرحية على خشبة قصر ثقافة دمياط فإذا بها تحقق نجاحا رائعا وتجاوبا جماهيريا لا مثيل له . ينشر أحمد عبدالرازق أبوالعلا مجلة " مسرح 80 " مسجلا فيها وقائع التجربة ، كما  أكتب مقالا متحمسا في صحيفة حائط ، لأدلل على إمكانية تقديم مسرح ناجح برؤية مغايرة .
شارك مجدى سرحان ، رئيس تحرير جريدة " الوفد " الأسبق  فى عمل البانفيلت ، ومعنا فى إدارة المسرحية الكاتب المسرحى والشاعر مجدى الجلاد والشاعر محمد غندور والفنان نصر أبو عطايا ،وساعد فى الاخراج رأفت سرحان الذى كان ذراعه الأيمن فى كل عروضه التى قدمها بدمياط .
4
هناك تجربة في غاية القوة شهدها قصر ثقافة دمياط ، وهو تأسيس الكاتب محمد أبوالعلا السلاموني لنادي المسرح الذي ضم مجموعة من الفنانين الموهوبين كان من بينهم محمد الشربيني ورأفت سرحان ومحمد غندور ،وفوزي سراج ،وأحمد شبكة ،  كمؤسسين .
قدم نادي المسرح العديد من التجارب منها " البوفيه " و" الكاتب والشحات " لعلي سالم ، وقد شارك فيهما الشربيني كممثل كما شارك بالتمثيل أيضا في " الزنزانة " للسيد الشوربجي من إخراج مجدي الجلاد ، وأخرج الشربيني مسرحية " المتفائل " لعلي سالم ، وكان بطل العرض هو ناصر البشوتي ، كما قدم النادي " صهيل في البحيرة " من إعداد سمير الفيل عن قصتين لمحسن يونس ، ، ولناصر العزبي " أغنية العصفور والأسد " للكاتب نفسه ، وكلاهما من إخراج رأفت سرحان . فيما أخرج فوزي سراج عددا من الأعمال منها " سيد درويش " و" هموم دمياطية " .
تجربة اتسمت بالوعي والجدية والانضباط ، ومالبث السلاموني أن سافر واستقر بالقاهرة ليلحق بزميليه يسري الجندي والسيناريست بشير الديك.
يكتب الشربيني عددا من المسرحيات القصيرة سنة 1980 ، ويشارك بأول مسرحية كتبها ، وهي " القط والفأر" في المسابقة التي نظمها نادي المسرح المصري ، وقد كان من ضمن الفائزين ، ويواصل تجاربه مع المسرحيات ذات الفصل الواحد وكان مميزا فيها . تبدأ الهجرة الثانية لمبدعي دمياط بسفر أحمد عبدالرازق أبوالعلا للقاهرة في نفس السنة ، ويلحق به محمد الشربيني سنة 1982 ، كما يسافر مجدي الجلاد الذي ذهب للعاصمة ليجرب حظه في التمثيل .
تبدأ مرحلة جديدة في مسيرة الشربيني حيث تعرف بقوة على الوسط الفني وبدأ بالعمل كمحرر ديسك بجريدة " الأهالي " مع فريدة النقاش ، ثم عمل في جريدة " الشرق الأوسط" . كان الشربيني خلال هذه الفترة ينقل إلينا نشرات نادي السينما ويطلعنا على تجاربه الجديدة ، وقد تعرف على مجموعة الفنانين وصار صديقا لهم بل قريبا من قلوبهم لما اتصف به من سلوك فطري طيب ، ممن أذكرهم : ناصر عبدالمنعم ، وأحمد مختار ، وأحمد كمال ، والراحل صالح سعد ، وعبلة كامل .
يخوض تجربة الكتابة للتلفزيون فيقدم مسلسلات ،  منها : (يوميات مدينة على النيل 89 ـ الأجيال 92 ) إخراج : فايز حجاب، (الخروج من الدائرة90 ) إخراج : يوسف شرف الدين، ( طريق الأحلام: 95) إخراج : سعيد الرشيدي ، (تدابير الدنيا 99) إخراج : إبراهيم الشقنقيرى ،
 ( حكايات الحكماء 2002- للأطفال) إخراج : فتحي عبد الستار .كما يقدم بعض السهرات التلفزيونية ، منها : (الحياة علي طريقة فلفل 86 ـ أحلام عم سيد 87 ـ رحلة الخوف 88 ) إخراج : سامي محمد على ، ( شموع السعادة 89 ـ قطار الذكريات 95 ) إخراج : مصطفي الشال ، (بعد السقوط 92 ) إخراج : عبد المنعم صادق ، (الاستجابة 94 ) إخراج : عبد الله الشيخ ، ( أغنية حزينة 94) إخراج : محسن فكري .
5
كان محمد الشربيني مهتما بالسرد ، كما اهتم بالفن السينمائي وكتب فيه ، واقترب حثيثا من الشعر ، وكان مفتونا بتجربة صلاح عبدالصبور في المسرح الشعري ،  وفي هذا الجانب قام بتحويل ديواني الأول " الخيول " إلى عرض مسرحي " غنوة للكاكي " ، اشترك به نادي المسرح في المهرجان الأول ،الذي أقيم بمدينة دمياط  سنة 1990 ،  إخراج شوقي بكر ، مع ألحان توفيق فودة ، وفي مقال لها وصفت الناقدة منحة البطراوي العرض بأنه قصيد سيمفوني .
6
إذا كان اهتمام الكاتب محمد الشربيني في المقام الأول بالمسرح فقد حاول أن يقدم نصوصه متعاونا مع مخرجين من مختلف الأجيال عير أنه كان يشعر أحيانا أن رؤيته لم تتحقق جماليا كما كان يتصور ، وهذا الأمر ظل يشغل باله فترة ، وتوصل لحل جزئي هو أن يقوم بإخراج بعض أعماله بنفسه كما حدث في مسرحية " المجانين " التي أشرنا إليها ، وفي مسرحية " اللعب في الممنوع " ، والتي أخرجها للفرقة القومية بدمياط ، وغيرهما.
أما أهم كتاباته في عالم المسرح فنذكر منها : " الجلوس خلف الأبواب " مارس  1989، " فتاة عادية " وتضم  7 مسرحيات ، هي : فتاة عادية ـ البيت في ميدان الجيزة ـ أحلام ـرمسيس يدق الجرس ـ صوت مصر ـ الجانب الآخر من النهار ـ حق اللجوء العاطفي ،  مايو1996، والنص الأخير عن ديوان الشاعرة الدكتورة عزة بدر ، وكتب كذلك "  مدد يا شيخ على " مسرحيتان : ـ الشيخ علي ـ مدد يا شيخ على ،1997،  "  آخر الفرسان و ليلة سقوط الدنجاوى " مسرحيتان " ، 2000 . " أولاد 90 " ، 2008.
إضافة إلى كتابه الوثائقي " مسرح الأقاليم في نصف قرن " ،  2001 .وكتابه التذكاري الذي يتجلى فيه الوفاء في أعظم صوره " عطر الأحباب " 2006عن شهداء مسرح بني سويف.
كتاب " في الدراما التليفزيونية "، وصدر عن مكتبة الشباب ضمن سلاسل الهيئة العامة  لقصور الثقافة فبراير1994 .  حصل الكاتب على جائزة الدولة التشجيعية عن هذا الكتاب سنة 1995 .
7
اهتم محمد الشربيني بالدرس العلمي فحصل على المؤهل الجامعي ( ليسانس آداب ، قسم اجتماع ، جامعة عين شمس  ، فبراير 2003) ، وظل وفيا للقيم النبيلة التي آمن بها وبحق كل الناس في العدل والخير والحياة الكريمة ، وانعكس اهتمامه بالجانب التوثيقي في عمله الوظيفي بإدارة المسرح فحقق طفرة في الآداء ، وألم بكل صغيرة وكبيرة في مسرح الأقاليم ، وسجل إشكاليات المسرح وأزمته المستحكمة في الكثير من كتاباته ، وظل حريصا على مادته خفيفة الظل التي يوقعها باسم " ابن الذين " .
كان من القلائل الذين قاموا بهجرة عكسية من القاهرة لدمياط مصطحبا معه أسرته ، مبقيا على صداقاته الواسعة وعمله بإدارة مسرح الهيئة . وحين ذهبت مع مجموعة من أقاربه وأصدقائه لحضور العزاء الذي أقامته نقابة المهن السينمائية ،مساء 23 فبراير 2010  استضافنا رفاقه بقاعة منف بالمهندسين ، وما من زميل أو زميلة إلا وتحدثوا عن هذا الإنسان الجميل في سلوكه وإبداعه وحبه للناس . جموع من الفنانين والمسرحيين والأدباء والصحفيين تقاطروا على مقر العزاء بالحامدية الشاذلية ، وجاء الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة ، وعلي أبوشادي أمين المجلس الأعلى للثقافة ، وعصام السيد رئيس إدارة المسرح .
8
كان الشربيني منذ بدايات تعرفه على الحركة الأدبية والمسرحية ، صاحب فكر ، وله وجهة نظر يمكن تلخيصها في اهتمامه المبكر بقضايا الناس،  وعدم الركون لزغللة الأشكال التي يمكن أن تكون خادعة ، وهو يعول كثيرا على وعي المخرج وفطنته  . في شهادة له ندرك رصده الصادق لبعض مظاهر أزمة المسرح :
" أن المتفرج يشارك فى التجربة المسرحية الحية بوجوده ، وأن هذه المشاركة كفيلة بأن تجذبه من كل ما يشغله ، ولكن كيف تتم المشاركة التى هى جوهر فن المسرح ذاته ؟ والإجابة على هذا السؤال يمكنها أن تنسف الرأي السابق نسفا، لأنه كلما ابتعد المسرح عن قضايا الناس الحقيقية، وكلما أوغل فى الطقوس التراثية، وكلما أنحصر همه فى الشكل الفنى، وكلما تلفع بالتاريخ والتراث وغاب عن الواقع ،وكلما جرى وراء البهرجة الكاذبة والمفتعلة، فان حاله سيكون تماما مثل حال مسرحنا المتردي.
القضية إذن هى فى كيفية تقديم فن مسرحى يناقش مشكلات حيه ، تهم الناس ، ويبحث فى ثنايا حياتهم ومصائرهم وذواتهم ، ينير لهم حياتهم بما غمض عليهم ، ويأخذ بيدهم الى طرق جديدة ، وكل هذه بديهيات آمن بها رواد المسرح ، والدليل البسيط على ذلك هو اشتياق الناس الدائم لكل كلمة تتردد عن قضية أو مشكلة حقيقية يعانون منها ، ولذا فإن معظم العروض التى تلقى تجاوبا من الجماهير هذه الأيام لابد وأنك ستجدها تبحث فى أمور حيوية وتعالج بصدق وبلا زيف حياة الناس ".
كان قد تعرف على ناقد رائد هو فاروق عبدالقادر ، ينتظم في جلسته بمقهى " سوق الحميدية " ، وكلما زرته ذهبنا لتلك الجلسة المشعة بالأفكار الجريئة والحراك الفني البديع .
9
ترك محمد الشربيني ثلاثة أبناء هم : عمر 14 سنة ، ولاء 10 سنوات ، مريم سنتان .
لم يغب محمد الشربيني عنا كصحبة ثقافة وحياة ، فكل من عرفه واقترب منه شعر أن جزءا من روحه قد انتزعت منه . حين كان يغيب عنا في القاهرة ننتظره ثاني أيام عيد الفطر أو الأضحى بالمقهى المواجه لقصر الثقافة ليتحلق الأصدقاء حوله وتبدأ الحوارات وهو بيننا حريص على أن يبدي لنا مكنون وده ، كأنه لم يغادرنا لحظة بنفس القلب الطيب والروح الساخرة ( مازالت تلك الجلسة تعقد في العيدين تحية لذكرى الشربيني ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تمت مراجعته من قبل سيد الوكيل في سبتمبر 15, 2018 تقييم: 5

ليست هناك تعليقات: