Powered By Blogger



كوبان من الشاي الساخن


قصة: أحمد زغلول الشيطي.

قالت: كو.. كوسك.. فوف.
قال: كورسا .. كوف.
رددت ورائه في زهق : كوسافوف..
كتب الاسم على ورقة بيضاء بحروف كبيرة ، وطلب منها أن تحفظ الاسم ، بعد ان تنطق الحروف نطقا سليما. نظرت اليه بعينين عاتبتين ، قالت : ما الفائدة؟ قال : كورساكوف عبقري ، استوحى شهرزاد من الف ليلة ، قال : سمعت شهرزاد ؟ قالت : رأيتها في التلفزيون ، قال يا ئسا : لكنها تسمع ، لا ترى . هل يرى احد سمفونية ؟
كان الهواء ياتي ساخنا محملا بالتراب من شيش النافذة ، مسحت وجهها بمنديل ورقي أبيض ، اتسخ المنديل بلون ترابي . جلس في المقعد المقابل . أرادت أن تضع يدها على كتفه ، ابتعد في اللحظة المناسبة.
قال: لابد ان تعرفي ..
تذكرت أنه رسم بالأمس مثلثا متساوي الأضلاع ، وكتب على رؤوسه الثلاث كلمات ثلاث.. قالت بسرعة فاجأته : أعرف .. الفقر والجهل والمرض.
ابتسم ، لم يستطع منعها من القفز إلى جواره ، وإلقاء رأسها على كتفه ، لا يمكنه.. فكر أنه من الصعب الوقوف أمام حماس القلب ، قالت : ولكنك ستعرفي.
قالت: أنت لا تحبني.
قالت: ألا تحبني هكذا ؟
انثنت فجأة ، خلعت حذاءها ، وألقته بقوة إلى الجدار ، صاحت فرحة قتلت الصرصار.
أعادت الحذاء إلى قدمها ، وعيناها لا تفارقان وجهه ، قالت: الصراصير تعشش وسط الكتب.
قالت: لماذا لا تتكلم .. ألا يعجبك كلامي.
قال بصوت قاطع : احفظي الاسم.
هبطت يدها في استسلام بالورقة.
خرج من الحجرة ، أغلق الباب ، وقف أمام وابور الجاز يتابع غليان الماء ، وضع ملعقة شاي ، قال: ستتعلم ، يمكنها أن تتعلم ، بعض الشدة ، فكر : إذا كنا نحن داخل المثلث فماذا يبقى لنا غير أن نعرف .. ونعرف؟
أفرغ الشاي في كوبين ، وضعهما فوق الصينية ، وراح يقلب ، وبالمعرفة يصير الإنسان كائنا جميلا انيقا ، ستعرف حتما كيف تنطق كورساكوف ، وبعدها.. آخذها وأخرج . فوجيء للحظة أنه لم يخرج معها أبدا ، ولم يقل لها أحبك.
حمل صينية الشاي ، ودفع باب الحجرة ، راى مقعدها خاليا ، وعليه ورقة مكتوب عليها اسم كورساكوف بحروف كبيرة واضحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت القصة في سلسلة " إصدارات الرواد" ، العدد 25 ، يناير 1990.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





رؤية نقدية..

مرايا الذات في مواجهة الآخر.

بقلم : سمير الفيل
النص بسيط جدا، فالشاب على علاقة حب مع فتاة ، وهو يريد أن يعلمها بعض الكلمات التي تجعلها قريبا منه ، كمثقف يعتقد أن له دورا في تحريك الواقع .في هذا السياق نشعر بالهوة التي تفصل بينهما ؛ فهو يعيش في عالم مختلف حيث البنية المعرفية محملة بإرث حضاري فيما هي تصطاد اللحظة ولا يهمها سوى ذاتها .
على تلك الثنائية يعمل الشيطي فيبرز المشكلة بشكل ترميزي ، فهو يعلمها أشياء لا تجد أنها ضرورية بالنسبة لها، فماذا ينفعها " كوساركوف" ، وماذا يفيدها سماع السيمفونية؟
تمضي العلاقة على هذا المستوى المتوتر من الجدل المستمر ، ونلمح أنها فتاة حسية فيما هو يريد أن يرتقي بالعلاقة درجات.
يرسم لها على ورقة مثلثا متساوي الأضلاع ، يذكرها به فتنطق: الفقر والجهل والمرض.
إن السرد يكشف عن حالة من الانفصام التام بينهما ، وهو ـ أي الشاب ـ يريد أن يرأب الصدع ، لكن يبدو أن هذا أمر غير ممكن بتاتا. تعيده بقوة لفقر الواقع وسقوطه ، فقد خلعت حذائها وقتلت الصرصار فيما ظل مصلوبا على حواف معرفته.
خرج من حجرته كي يعد كوبين من الشاي ، يضعهما على الصينية وحين يعود يجد الحجرة شاغرة فقد مضت ، بعد أن يئست من تلك العلاقة التي رأتها في ومضة كاشفة أقرب للنقص الفادح وعدم الاكتمال .
" كوبان من الشاي الساخن" .. محاولة لخلق توازن بين نقيضين تفضي إلى فراغ وانقطاع وهو ما دونه الكاتب الموهوب جدا بشكل حدي ، وبلا ثرثرة أو إسهاب ، كي نتأكد أن هناك أفق لن تبلغه العلاقة ، وكان اختفاء الفتاة ـ التي لم نعرف حتى اسمها ـ ضرورة  . يتحقق معنى أن أضلاع المثلث ستظل قائمة حتى يحدث تغيير جذري في بنية المجتمع وهو ما يعكس وجهة نظر الكاتب في خلخلة المكرس والمألوف من أجل القبض على المغامر والمدهش والمختلف.
ينتهي أحمد زغلول الشيطي نصه المتقشف جماليا ؛ فنشعر بمرارة الفقد فالعلاقة لم تكتمل حتى على مستواها الرومانسي البسيط . ويبرز سؤال حتمي: هل تمكن الشاب من أن يحرك المرايا بشكل صحيح حتى يكشف الخلل كبداية لمعالجته وإصلاحه؟!



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيرة ذاتية . إعداد : سمير الفيل.
أحمد زغلول الشيطي .
ـ ولد في دمياط في 10 فبراير عام 1961 .
ـ  تلقى تعليمة الابتدائي و الاعدادي و الثانوي بها ثم انتقل إلى القاهرة في أواخر السبعينات ليواصل دراسته بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ، و تخرج منها في مايو عام 1983 .
ـ  و طوال سنوات دراسته بمراحلها المختلفة و منذ أن كان في السادسة من عمرة ، عمل أثناء العطلات الدراسية و أحيانا أثناء العام الدراسي نفسه ، في حرفة حفر النقوش البارزة على خشب الأثاث "الأويما".
ـ لم يتمكن من نشر أولى أقاصيصه إلا في عام 1985 ،و قد تتابعت أقاصيصه بعد ذلك في كثير من الصحف و المجلات المصرية من ( المساء) و ( الأهالي) إلى ( أدب و نقد ) و ( القاهرة) و ( الموقف العربي ) و ( الإنسان و التطور ) و غيرها .
ـ لفت إليه الأنظار بشدة بعد صدور روايته " ورود سامة لصقر" الصادرة في القاهرة فبراير 1990 ،  وخصصت لها مجلة " أدب ونقد " ملفا نقديا ورشحتها استبيانات1990 كأفضل رواية مصرية لهذا العام .
ـ  له كتب أخرى ، منها "شتاء داخلي" سلسلة مختارات فصول1991 ، " عرائس من ورق " 1994عن دار شرقيات للنشر.
ـ قدمت عنه ورقة بحث اعتمدت الدراسة المقارنة بينه ، و بين الكاتب الايرلندي جيمس جويس خلال المؤتمر الذي انعقد بجامعة القاهرة في نوفمبر 2008 .
ـ له كتاب عن ثورة 25 يناير 2011.



تمت مراجعته من قبل سيد الوكيل في سبتمبر 22, 2018 تقييم: 5

هناك تعليق واحد:

  1. How to login to Betway with Bitcoin - JTM Hub
    When you open 구리 출장마사지 your mobile browser in 경주 출장샵 the main menu, select "Payment 구미 출장안마 Options" 태백 출장샵 and click the 서귀포 출장샵 “Deposit Options” option.

    ردحذف