Powered By Blogger


عوض عبد الرازق
قصة
هرم من اللحم
أعد المحتوي: سمير الفيل


الحمد لله.. فقد طرح ظهري هرما من اللحم ، وزادني بست صوابع في كل يد. ولدت في شهري السابع ، ولم أبلغ من الطول مترا.. ماتت هرمونات النمو العظمى .. هكذا قرر الأطباء في أمري.. لقبني الناس ب (الأزعة ).
يبتسمون عند رؤيتي ، ويجذبونني من الجلباب ليتسامروا معي ، وأخيرا يضعون النقود في جيبي.
كنت عندما أنوي الاستحمام لا أجعل والدتي تدخل معي لتغسل جسدي خوفا من مشاهدتها هرمي . أتعس الأوقات لدي عندما تلتقط المرآة هرمي ، وتسمع أذني لقلبي.. أردت أن أقهر ضعف مظهري بابتسامة تسير معي مثل قدمي لتجذب العيون إلى وجهي .
كانت العيون تلاحقني، والأيادي تجذبني كأنني أرجوحة وسط حشد من الأطفال .. تدمع عيوني ، وينتفض قلبي .. يولد تفكيري سؤال : ما هو ذنبي؟ .. ما هو ذنبي أيها العمالقة الأصحاء ؟
كنت أستيقظ من نومي المتقطع قبل أخوتي .. فأفرد كفي على سعته لأقيس به أجسامهم ثم أتوجه لقياس جسدي ؛ لأعقد المقارنة ، وأجعل راحتي تصغر عند قياس جسدي بل أتعمد الخطأ في العدد لصالحي .. اغتمت والدتي لحالي .. دائما تمصمص بشفتيها عندما تراني ، تغرغر عيناها بالدموع .. أسمعها تكلم نفسها .. تقول:
أبوه طول بعرض ، وأنا مثله .. أمال طالع لمين؟!
ثم تستغفر الله العظيم .. تداولت مع أبي في أمري ، قال: نعلمه ( فقي )..
قالت أمي : بلا خيبة ، يبقى زي الشيخ درويش ، يحضر فطير وبلح من على المقابر ، وينتقل من مقبرة إلى أخرى بسرعة البرق ليسبق زملاءه في التحصيل ، ولا يزيد في قراءاته عن ( بسم الله الرحمن الرحيم) و ( صدق الله العظيم ).
قال والدي : إذن يتعلم ( خياط ).
قالت والدتي : هي دي المهنة ولا بلاش ، لأنها تلائم تكوينه الجسماني .
وكأن ثعبانا قد لدغ جدتي . قامت مفزوعة من جلستها ، تستند على عكازها ، عندما سمعت الحديث ، وجسدها مطروح للأمام ، كأنها تبحث عن عملات ملكية .. فتحت فمها الخالي من الأسنان فتناثر اللعاب على وجه أبي ، وانبعث من نفسها رائحة النشوق فحركت غريزة العطس عند أبي .. استندت على عكازها ، وهزت مؤخرتها الناشفة.. قالت: ( لا دي.. ولا دي).. نفتح له محل بقالة زي خالك شطا .
حضر جدي فأسكت جدتي بنظراته الحادة ، فهي تخشى بأسه ولا تخرج إلى الشارع عند وجوده.. قال:
نعلمه النجارة عند عمك عبدالصمد، والنجارة مهنة الشطار.
قاطعته والدتي ، قالت:
تعب عليه يا آبا، هيفضل واقف أمام بنك العمل فترة طويلة ، وظهره لا يحتمل الوقوف ، وجسده لا يطول " البنك".
تدخل جارنا أبو راضي عندما حضر يسأل عن والدي ، قال :
يا جماعة، أحسن مهنة لابنكم صبي منجد . رياضة له ، ويمكن يعمل مساند من القطن، يخفي بها الجزء البارز من ظهره.
ابتسم الجميع وكأنه الحل قد نزل من السماء .. عم الارتياح الوجوه.
سحبني أبي من يدي متوجهين إلى عاشور المنجد..
وأثناء سيرنا في الشارع الكبير اقترب المارة منا ، وضعوا النقود في جيبي .. علت الحمرة وجه أبي ، ولم يستطع أن ينهر أحدا.
* مجموعة قصصية " الجنين في شهره الأول " ، عوض عبدالرازق ، إصدارات الرواد، العدد 27 ، 1990.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



رؤية نقدية.

تلقائية الحكي ، وبساطة المعالجة الدرامية.


بقلم: سمير الفيل.
يمزج الكاتب بين تجاربه في الحياة وبين مشاغله الذاتية حين يطرح سؤالا عن ذنب الفتى الذي يجد نفسه منقوصا أو به عيب ظاهر.
لا تخفى علينا رنة السخرية التي يوظفها الكاتب في نصه ، وتلك المحاورات التي تسبق اتخاذ قرارات مصيرية في شأن الأبناء والأحفاد.
بطل النص له " قتب" أو" هرم من اللحم" وهو يشعر بالضعة والهوان كلما رأى أهل قريته يحيطونه بعطفهم أو سخريتهم، سيان.
يحاول بطل النص إخفاء العيب الظاهر دونما فائدة وهو يحكي للقاريء المفترض عن تلك اللحظات التي يقيس بها طوله ويقارن ذلك بأطوال من يحيطون به . وكيف أنه يتعمد الخطأ حتى لا يشعر بالدونية.
يسوق الكاتب ذلك بلغة بسيطة مع إحساس شامل بعبثية الحياة حتى أنه يسمع الأم تحدث نفسها عن سبب ولادته بتلك الصورة المشوهة.
يتم التداول في أمره، فالأب حريص على أن يكسب عيشه بنفسه، يعرض الأب فكرة أن يعمل فقيا بقراءة القرآن على المقابر وهي فكرة لا تتحمس لها الام. يطرح أبوه فكرة أن يعمل خياط ثياب لكن الجدة تستند على عكازها وترفض تلك الصنعة . تقترح عليهم أن يفتح محل بقالة ، يسكتها الجد حين يحضر ويكون رأيه أن يتعلم النجارة. يتدخل الجار أبو راضي ويقترح أن يعمل صبي منجد ، فيوافق الأب ويجذب الابن ذي العاهة من يده في طريقه إلى محل عاشور المنجد. في طريقهما إلى هناك يقترب منه المارة ويدسون النقود في جيبه. تنتهي القصة والحمرة تعلو وجه الأب فيما يلجم الخرس لسانه.
بغض النظر على بعض الهنات اللغوية والأسلوبية فالنص طيع وبسيط وفيه تلقائية ومرح كان يسم الكاتب (عوض عبد الرازق) الذي غاب عن بلده، وبالتالي عن الحركة الأدبية ، فاستسلم للصمت وبقيت نصوصه.
نكتشف بعد قراءة النص القصصي سعة أفق الكاتب فهو يستحضر صورة " الفتى" عبر اعترافات تكشف عن درجة من تفهم النقص الفادح في أجساد البشر ، ثم من خلال حوار بين الأب والأم والجدة والجار ، فيما هو هش ، بائس ، لا ينطق.
كان عوض عبدالرازق يعرج في مشيته، وليس عندي يقين أنه يتحدث عن مأساته الشخصية فقد كان ناجحا إلى حد ما في الحياة رغم غيابه بالسنوات خارج الوطن.
نعود للنص فنجده يحمل سمات الكاتب الأسلوبية من تناول مباشر للواقع والتعبير عن قضايا الريف المصري عبر شخصيات ممسوسة بالنقص أو الفقر أو الحزن. يكتب مستخدما ضمير الأنا فنظن أنه يتحدث عن تجارب شخصية بعد إحداث الإزاحة الجمالية ليخرج من حيز المحاكاة .
يضعنا القاص على أعتاب المتعة لأنه يجعل من " التفصيلات الصغيرة" أساس بناء عالمه القصصي المدهش والغريب بالرغم من معالجة القضايا بشكل علني ، مكشوف ، فيه جرأة من لا يخاف الواقع ولا ينتظر منه خيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





سيرة ذاتية منقوصة.
ـ عوض عبدالرازق فرج.
ـ من مواليد قرية " الحوراني" ، محافظة دمياط.
ـ اقتحم الحياة الأدبية فجأة ، ربما في بدايات العام 1989.
ـ أصدر مجموعة قصصية وحيدة هي " الجنين في شهره الأول" ، مع دراسة للدكتور مدحت الجيار . تقع المجموعة في 120 صفحة. طبعت على مطابع مديرية الثقافة بدمياط ( ماكينة الماستر) .. ديسمبر 1990.
تضم المجموعة 14 نصا قصصيا ، عناوين القصص كالتالي:
هرم من اللحم، ملذات، مباراة ، الكل واحد، بيد جدتي لا بيد جدي، الفتوى ، آمال تحملها أجنحة عصافير ، الآن، مروحة ، هوية الإقامة الدائمة، أقزام أمام الأسوار، الجواد الأخضر، مملكة الدموع.
ـ وجدنا له قصة واحدة في الكتاب التذكاري " القصة القصيرة في دمياط" إصدارات الرواد ، العدد 25 ، يناير 1990. والقصة بعنوان" أسنان جدتنا.. ميراثنا ".
ـ صحبته مرات قلائل إلى بيته في قرية الحوراني وهو بيت مطل على نهر النيل مباشرة ، في نفس الوقت كان يمتلك مقهى على الطريق المؤدي إلى مدينة فارسكور. .
ـ فجأة اختفى تماما ، ولم يعد أحد يعرف أين ذهب؟.. سألت عنه أثناء إعداد هذا المقال ، فأخبرني أقارب له أنه يعمل في السعودية ، ولا يتصل بأحد من الأصدقاء منذ ترك البلدة ( حوالي عشرين عاما أو أكثر ). .
ـ تقول زميلة لنا بنادي الأدب من نفس القرية أنه من مواليد سنة 1957 ، وقد حصل على دبلوم المعلمين. وهي معلومات لم نتمكن من التأكد منها بعد.
ـ الحوراني هي مسقط رأس الكاتب صلاح عبد السيد.
ـ نعتذر للقاريء لعدم وجود سيرة ذاتية مكتملة، وهو الأمر الذي يتكرر حين نحاول مناقشة أعمال كتاب توقفوا عن الكتابة لأسباب مختلفة ، وبقيت النصوص شاهدة على بداياتهم المبشرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ










تمت مراجعته من قبل سيد الوكيل في سبتمبر 27, 2018 تقييم: 5

ليست هناك تعليقات: