Powered By Blogger

قصة "ليلة من ألف وخمسمائة ليلة" - السيد نجم





ليلة من ألف وخمسمائة ليلة
قصة لـ: السيد نجم



"الإنتظار يقتلني والصبر"تمتمت بهذه الكلمات، وهي تنظر شفتيها أمام المرآة المكسورة.
الجميع لابد أن يعرف.. الحقيقة تفضح نفسها دائمًا كجنين يكبر بين أحشاء أنثى، كرائحة العفن تزداد رويداً ولكنها تأتى فى النهاية.
والكل عند باب الدار جلوس.. سيدات يتلفحن بالسواد، رجال كبار، صبية صغار.. وشيوخ فى إنتظار قصة اليوم. لكل  يوم قصة، وحتى الآن ألف وخمسمائة قصة،  ما زالت السيدة تقص، وما زالوا ينتظرون.
هناك عند مدخل الدار حيث يجلسون فى شكل الدائرة وفى مركزها تمامًا تقف هي، يبدأون بالسؤال:"أين عنتر يا صابرة؟"
ويتابعون بالحاح:"الحقيقة يا زوجته الحبيبة.. نريد الحقيقة"
وتدور حول نفسها دورة ودورة ثانية ثم ترميهم ببسمة واثقة.. تقول:"صلوا على النبى""اللهم صلى عليه"
"لحد الأمس كان العقاب الحبس، حبسوه المجرمين فى الزنزانة وحده.. فكر عنتر.. وفكر.. وفى فترة قضاء الحاجة فى الصباح التالى بإشارة كان تم الإتفاق مع ثلاثة من إخوانه. والصبح طلع ودخل اليهودى الأصفر يرمي بشىء من فتات أكل الكلاب، من خلفه إندار وركل أحدهما برجل والآخر بكف.. سقطا.. ماتا ومعاً ومن ضربة واحدة"
"الله أكبر"، "ربنا يقويه"، "وبعدين"
"خطف المفاتيح وفتح الزنزانات كلها، وفتح العنبر وتسلل من السور، وكل من يقابلهم يقتلوه.. بالعصا والبندق، بالكف وبكل ما وجدوه.
"عددهم.. عددهم كام يكون؟"
"تقولوا كام.. هه.. أربعون!"
"يا سلام".. "يا عينى".. "قلبنا معاه"..
"مش كفاية.. هو قال لي مش كفاية"
"يعنى إيه؟!"
"نروح نقابله فى الجبال، على الرمال.. فى قلب التيه التايهه فى عينه.. على الطريق الطويل نروح له.. المهم نبدأ اليوم.. لا ..الليلة، لا، الآن.. قبل ما يزهق، قبل ما الصفرة تسرق النور من عينيه وتصفر الأشياء، كل الأشياء"
مر أمامهم أحدهم، كان ضابطاً بالقوات المسلحة، رتبه كبيرة.. إبتسم لها.. زمت شفتيها.
أشار لها بالرغبة فى حديث، قامت ودخلت حجرتها، أجلسته على المقعد الوثير الخشبي. حاول الرجل أن يبتسم، حاولت أن تبدو طبيعية.
أراد أن يقولها.. أقسمت عليه بشرب الشاى، شرب الشاى ومن معه.
أراد أن يقولها.. أقسمت عليه يسمع قصة زوجها عنتر، يسمعها كما سمعها الجيران.
أراد أن يقولها.. منعته حتى فترة قصيرة. غابت لحين، وعادت بأجمل وأجدد ما عندها من ملابس، وأكدت على أحمر الشفاه الكريزى.
أشارت إلى شغتيها.. "عنتر يحبه غامق"
أراد أن يقول لها.. جلست وقالت له:"بل أقولها أنا"
دهش الضابط ومن معه!
"بل أقولها أنا.. مات عنتر.. أليس كذلك؟"
"ليس تماما ولكنه ما زال مفقودًاً.. منذ الأربع سنوات، لذا سنعامله معاملة الشهيد"
"إذن.. ما زال تائها، ما زال تائها.. ما زال؟"
الرجللوى شفتيه!عنتر فى الجبل.. أليس كذلك، عنتر فى الصحراء.. ثم صاحت وعلا صوتها..
إندفع الجميع ودخلوا الحجرة حتى ضاقت بهم..
قالت لهم ها هو الضابط الكبير يقول تائه، عنتر فى الجبل، تائه.. نروح نقابله فى الجبال.. على الرمال.. فى قلب التيه التايه من عينيه على الطريق الطويل..نروح له..                                              المهم نبدأ.. اليوم.. لا .. الآن.
*******
(نشرت بمجلة روزا اليوسف الاثنين 9ابريل 1973م- العدد 2239)
(نشرت القصة مع مصادفة ان تقرر من مدير التحرير  الفنان"حسن فؤاد" اعداد ماكيت جديد للمجلة.. بحيث تكون القصة المنشورة بمنتصف المجلة مع رسمة من فنانى المؤسسة.. هنا الفنان "مأمون")
=مرفق صورة للقصة المنشورة بالمجلة.


تعريف بالكاتب
السيد نجم
من مواليد القاهرة عام 1948م.تعلم في مدارسها، ثم تخرج كلية الطب البيطري.         
وفى عام 1958م كانت محاولته الأولى  في كتابة أبيات شعرية، مترعة بالحماس الوطني، ومتأثرة بالظرف السياسي بعد عدوان 1956 ،  وقام بإرسال إحدى قصائدة إلى الرئيس جمال عبد الناصرـ الذي رد على رسالته، وقد أرفق بالرسالة صورة شخصية موقعا عليها بنفسه.
يقول  في شهادته (وأنا في الخامسة عشرة حدثت واقعة لا تنسى، مررت أمام محل كتب ل"الدار القومية للنشر"بشارع الآلفى، إحدى الدور التى تم دمجها لتتشكل هيئة الكتاب فيما بعد، سألت المسئول: "أنا أكتب الشعر وأريد النشر عندكم"، فما كان من الرجل إلا أن فتح درج مكتبه الصغير وسحب رزمة من الورق المكتوب بطريقة (البالوظة) وهى تحمل عناوين : كيف تكتب الشعر.. القصة.. المسرحية؟!
 خلال السبعينيات تردد على مقهى "عرابى" و"ريش" للجلوس إلى نجيب محفوظ مع الناقد "عبدالرحمن أبوعوف" الذى قرأ أول قصة له وعمل على نشرها في مجلة روزا اليوسف، وكانت قصة (ليلة من ألف وخمسمائة ليلة).
التحق بالقوات المسلحة مجندا  عام 1971م ، وعاش تجربة الإعداد لحرب أكتوبر حتى تحقق الانتصار. وقد رصد تلك المرحلة فى عدد من القصص، مع تجربة حرب اكتوبر73 فنشرت في "أوراق مقاتل قديم" ورواية "السمان يهاجر شرقا" حول بطولات حصار حصن كبريت.
بعد انتهاء تجنيده، عمل طبيبا بيطريا في مجزر القاهرة، كما التحق بكلية الآداب جامعة عين شمس لدراسة الفلسفة
.. وبدأت المرحلة الأكثر فاعلية في حياته، من خلال نشاطه الأدبي باتحاد رعاية نشء وشباب العمال. كما أسهم في تكوين وتأسيس جماعة نصوص90 الأدبية مع عدد من الأدباء منهم: (
امين ريان- رمضان بسطويسى- مصطفى الضبع- مجدى توفيق- سيد الوكيل- سعيد عبدالفتاح- ربيع الصبروت).
ومن خلال نصوص 90 نشر أول رواياته "أيام يوسف المنسى".
أكب على العمل الأدبي، مبدعا وناقدا حتى بلغت أعماله عشر روايات، وست مجموعات قصصية، و6 كتب فى تنظير أدب الحرب وأدب المقاومة، باﻹضافة إلى أكثر من عشرين كتابا فى أدب الطفل.
كما كتب بعض الأعمال الدرامية للإذاعة منها: "مسلسل "ساعة الصفر" الذي أذيع في إبريل 2003م.. ويذاع سنويا) – وسهرة اذاعية "نور الظلام"- تمثيلية بإذاعة الإسكندرية كتبها "منير عتيبة"عن مجموعة "أوراق مقاتل قديم" في أكتوبر 2002م.
شارك مع مجموعة من الأدباء المهتمين بالثقافة الرقمية (  أحمد فضل شبلول- محمد سناجلة- منير عتيبة – حسام عبدالقادر) في تأسيس أول اتحاد ثقافي على الشبكة العنكبوتية، وهو اتحاد كتاب الانترنت العرب (عام2005م). وعبر عن اهتمامه بالثقافة الرقمية فكتب العديد من الدراسات في هذا المجال، وقد صدرت في ثلاثة كتب ("الثقافة والإبداع الرقمي.. قضايا ومفاهيم"- "النشر الالكتروني والإبداع الرقمي"- "النشر الالكتروني.. تقنية جديدة وآفاق جديدة".




قصة "ليلة من ألف وخمسمائة ليلة" - السيد نجم قصة "ليلة من ألف وخمسمائة ليلة" - السيد نجم تمت مراجعته من قبل مصطفى يونس في يوليو 26, 2018 تقييم: 5

هناك تعليق واحد:

  1. ننتظر تعليقاتكم، كما ننتظر مداخلات السادة النقاد على النص المنشور حصريا.

    ردحذف